للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأعوانه من النفس وغيرها ربما أوحوا إلى الإنسان أنه لا عبرة بالعمل، وإنما العبرة بالسابقة أو الخاتمة على ما مر، فمن سعد ثَمَّ. . لا يضره أيُّ شرٍّ اقترفه، ومن شقي ثَمَّ. . لا ينفعه أيُّ خيرٍ اكتسبه، فيصغَى إليهم؛ لظهور حجتهم وزخرفتها، ويترك أعمال الخير، وينهمك في قبائح الشر، وما دَرَى المسكين أن هذا تمويهٌ عليه، وإضلالٌ له، وغفلةٌ عمَّا وضعه اللَّه تعالى من الأسباب الدالة على مسبباتها، بل والمستلزمة لها عادة (١).

وأما انخرامها بموت من كانت أعمالُه صالحةً على الكفر. . ففي غاية الندور، والنادر لا تنخرم به القواعد الكلية، على أن غاية المنهمك في الشر إذا فُرض موتُه على الإسلام النجاةُ من الخلود في النار، على ما فيه من خلافٍ لنحو المعتزلة.

وأما حوزه لشيءٍ من الكمالات. . فبعيدٌ عنه، فوجب عليه تحرِّي الأعمال الصالحة، وأن يغلب الرجاء في اللَّه تعالى وفضله بإماتته إياه على الإسلام؛ لأنه على هذا التقدير يكون من ملوك الجنة وساداتهم.

فإن فُرض -والعياذ باللَّه تعالى- خلافُ ذلك. . لم تضره تلك الأعمال شيئًا، بل ربما خفَّفت عنه؛ فإن الكافر معاقبٌ على المعاصي مع الكفر، فمن لا معاصي له إنما يعاقب على الكفر فقط (٢)، فلا ضرر في الأعمال الصالحة بوجهٍ، بل إن الغالب -بل المطَّرد- نفعها وحوز الكمالات بسببها، فأي حجةٍ في العدول عنها؟!

فظهر لك أن تلك الحجة التي أقامها إبليس إنما هي كلمةُ حقٍّ أُريد بها باطل، فافهم ذلك وتدبَّره؛ فإنه أهم ما يعتني به المكلف، ويجعله نصب عينيه، وإلَّا. . زلَّ به القدم، وندم حيث لا ينفعه الندم، نسأل اللَّه دوام رضوانه، وسوابغ امتنانه، آمين.


(١) وما أحسن ما قاله بعضهم: (من الطويل)
ألم تر أن اللَّه قال لمريمٍ: ... وهزي إليك الجذع يسَّاقطِ الرُّطَبْ
ولو شاء أدنى الجذع من غير هزِه ... إليها ولكن كل شيءٍ له سببْ
(٢) قوله: (فمن لا معاصي له. . . إلخ) هو ظاهرٌ على القول بعدم تكليف الكفار بفروع الشريعة، أما على الأصح. . فلا يظهر، اللهم إلا أن يقال: إنه يصونه بموته عقب بلوغه قبل التمكن من التكليفات، فتأمل. اهـ هامش (ب)

<<  <   >  >>