ومنه: ما تحقَّقت حرمته واحتمل حلُّه كمغصوبٍ احتمل إباحة مالكه، فهو حرامٌ صِرف وليس من المشتبه، لما قررناه في نظيره؛ إذِ الذي فيهما احتمالٌ محضٌ لا سبب له في الخارج إلا مجرد التجويز العقلي، وهو لا عبرة به، فليسا من المشكوك فيه.
وأما المشتبه بالمعنى الذي قررناه آنفًا. . فهو أقسامٌ أربعة:
الأول: الشك في المحلل والمحرم، فإن تعادلا. . استصحب السابق، وإن كان أحدهما أقوى لصدوره عن دلالةٍ معتبرةٍ في العين. . فالحكم له، فلو رمى صيدًا فجرحه، فوقع في ماءٍ أو نارٍ، أو على طرف سطحٍ، أو جبلٍ، فسقط منه، أو على شجرةٍ فصدمه غصنها، أو أرسل كلبه وشَرِكه فيه كلبٌ آخر وشكَّ في قاتله منهما. . حرم؛ لأن الأصل: التحريم، فلا يزال بالشك في المبيح.
ولو جرح طير الماء وهو على وجهه ومات، أو جرحه وهو خارج الماء فوقع فيه، أو وهو في مائه والرامي في سفينةٍ في الماء. . حلَّ (١)، أو في البَرِّ. . فلا إن لم ينتهِ بالجرح إلى حركة مذبوح.
الثاني: الشك في طروِّ محرِّمٍ على الحل المتيقَّن، فالأصل: الحل، فلو قال: إن كان ذا الطائر غرابًا. . فامرأتي طالق، وقال آخر: إن لم يكن هو. . فامرأتي طالق، والتبس أمره. . لم يُقضَ بالتحريم على واحدٍ منهما على الأصح؛ لأن كلًّا منهما على يقين الحل بالنظر إلى نفسه؛ إذ لم يعارضه بالنظر إليه وحده شيءٌ، وإنما عارضه يقين التحريم بالنظر إلى ضم غيره إليه، ولا مسوغ لهذا الضم؛ لأن المكلف إنما يكلف بما يخصه هو على انفراده، ومن ثَمَّ لو قالهما واحدٌ في زوجتيه؛ كأن علَّق طلاق إحداهما بكونه غرابًا، وأخرى بكونه غيره. . لزمه اجتنابهما؛ لأن إحداهما طلقت منه يقينًا، وأصل الحلِّ فيهما عارضه يقينُ التحريم في إحداهما بالنظر إليه وحده، فارتفع به ذلك الأصل.
الثالث: أن يكون الأصل التحريم، ثم يطرأ ما يقتضي الحل بظنٍّ غالبٍ، فإن
(١) قال في "شرح المنهاج" (٩/ ٣٢٨) بحرمة ما جرح خارج الماء من طيره ثم وقع فيه، وهنا بحلِّه؛ إشارة إلى أنهما وجهان محكيان بلا ترجيح كما قال به في "شرح الروض" (١/ ٥٥٥)، واللَّه أعلم. (الحاج إبراهيم) اهـ هامش (غ)