للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفسره أحمد مرة باختلاط الحلال والحرام، وحكم هذا أنه يخرج قدر الحرام، ويأكل الباقي عند كثيرين من العلماء، سواء أقل الحرام أم أكثر.

ومن المشتبه معاملة مَنْ في ماله حرام؛ فالورع تركها مطلقًا وإن جازت، وقيل -واعتمده الغزالي-: إن كان أكثر ماله الحرام. . حرمت معاملته (١).

ثم الحصر في الثلاثة صحيحٌ؛ لأنه إن نُصَّ أو أُجمِع على الفعل. . فالحلال، أو على المنع جازمًا. . فالحرام، أو سُكِت عنه أو تعارض فيه نصَّان ولم يعلم المتأخر منهما. . فالمشتبه، ولكونه أشكل الثلاثة مسَّتِ الحاجة إلى مزيد بيانه وإيضاحه، فنقول:

علم مما مر: أن الحلال المطلق: ما انتفى عن ذاته الصفات المحرِّمة، وعن أسبابه ما يجر إلى خللٍ فيه.

ومنه: صيدٌ احتُمِل أنه صِيدَ وانفلت من صائده (٢)، ومُعارٌ احتُمِل موت المعير وانتقاله إلى ورثته (٣)، وليس هذا مشتبهًا، فلا ورع في العمل بذلك الاحتمال؛ لأنه هَوَسٌ؛ لعدم اعتضاده بشيء، مع أن الأصل: عدمه، وإنما المشتبه: الذي يتجاذبه سببان متعارضان يؤديان إلى وقوع التردُّد في حلِّه وحرمته كما مر.

وأن الحرام: ما في ذاته صفةٌ محرمةٌ كالإسكار، أو في سببه ما يجر إليه خللًا كالبيع الفاسد.


(١) قال العلامة عبد اللَّه بن سليمان الجرهزي في "المواهب السنية شرح الفوائد البهية" (٢/ ٦٢): (وسبقه إلى ذلك القول الشيخ أبو حامد في مواضع من "تعليقه" حيث كان مختلطًا، ومال إليه الأذرعي، وكذا الشيخ عز الدين بن عبد السلام فيمن يندر الحلال معه، وألحق الغزالي مَنْ عليه دلائل الظَّلمة في المال كزي الجندي، ودونه مَنْ زيّه كالفسقة وغيرهم، وتردد فيه، ذكره أبو قشير، وقال في "التحفة" [٩/ ٣٨٩]: لا يحرم معاملة من أكثر ماله حرامٌ ولا الأكل منها؛ كما صحَّحه في "المجموع" وأنكر قول الغزالي بالحرمة مع أنه تبعه في "شرح مسلم" اهـ، ويظهر اختصاص الحرمة أو الكراهة على غير من في يده مالُهُ، بخلاف المظلوم ممن ظلمه ولم يظلم غيره، ويحتمل أن محله فيما هو من جنس ماله، ويحتمل تخصيصه بما إذا لم يملكه الغاصب حتى تنتقل اليد إلى ذمته).
(٢) صورته: أن يصطاد سمكةً مثلًا، ثم يخيل له أنه يحتمل أن تلك السمكة صادها غيره فملكها بالصيد، ثم انفلتت منه ودخلت في البحر. اهـ "مدابغي"
(٣) صورته: أنه استعار ثوبًا مثلًا للبسه، ثم خُيل له أن يكون ذلك المعير مات، وانتقل ذلك الثوب لورثته، فالملك فيه حينئذٍ لهم، ولم يقع منهم إذنٌ له في الاستعمال. اهـ "مدابغي"

<<  <   >  >>