للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجاء في الأثر: (من وقف موقف تهمةٍ -وفي رواية: من عرض نفسه للتهم- فلا يأمن من إساءة الظن به) (١).

وقد قال صلى اللَّه عليه وسلم لمن رأياه مع امرأةٍ فَهَرْوَلَا: "على رِسْلكما؛ إنها صفية" خوفًا عليهما لمن يظنا به شيئًا فيهلكا، ولم ينظر إلى أن وقوع ذلك منهما بعيدٌ جدًا، ومن ثَمَّ لما أشارا لذلك. . قال لهما: "إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم" (٢).

وفي عطف العِرض على الدين دليلٌ على أنَّ طلبَ براءتِهِ مطلوب ممدوحٌ كطلب براءة الدين، ومن ثَمَّ ورد: "ما وقي به العرض. . فهو صدقة" (٣)، وعلي طلب نزاهته (٤) مما يظنه الناس شبهة ولو ممن علم عدمها في نفس الأمر.

ومن ثَمَّ لما خرج أنس رضي اللَّه تعالى عنه لصلاة الجمعة، فرأى الناس راجعين منها. . دخل محلًّا لا يرونه وقال: (من لا يستحيي من الناس لا يستحيي من اللَّه) (٥)، ورفْعُ الطبراني له غير صحيحٍ (٦).

ولو أمره أحد أبويه بأخذ أو بأكل شبهة. . فقال الإمام أحمد: لا يطيعهما، وقال بعض السلف: يطيعهما، وتوقَّف آخرون (٧).


(١) أخرج نحوه ابن عساكر في "تاريخ مدينة دمشق" (٤٤/ ٣٥٩)، وابن أبي الدنيا في "الصمت" (٧٤٧)، وعزاه الإمام السيوطي في "الدر المنثور" (٧/ ٥٦٦) إلى الزبير بن بكار في "الموفقيات" كلهم أخرجوه من كلام سيدنا عمر رضي اللَّه عنه، ولفظه في "تاريخ دمشق": (من كتم سره. . كانت الخيرة في يده، ومن عرض نفسه للتهمة. . فلا يلومنَّ من أساء به الظن، ولا تظننَّ بكلمةٍ خرجت من أخيك سوءًا تجد لها في الخير مدخلًا، وضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك منه ما يغلبك، ولا تكثر الحلف فيهينك اللَّه، وما كافأت من عصى اللَّه فيك بمثلِ أن تطيع اللَّه فيه، وعليك بإخوان الصدق: اكتسبهم؛ فإنهم زينٌ في الرخاء، عُدةٌ عند البلاء).
(٢) أخرجه البخاري (٣٢٨١)، ومسلم (٢١٧٥) عن أم المؤمنين سيدتنا صفية بنت حيي رضي اللَّه عنها.
(٣) أخرجه الحاكم (٢/ ٥٠)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (١٠/ ٢٤٢)، والدارقطني في "سننه" (٣/ ٢٨) عن سيدنا جابر رضي اللَّه عنه بنحوه.
(٤) أي: ودليل على طلب نزاهته.
(٥) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (٥٤٣٥)، وابن عساكر في "تاريخ مدينة دمشق" (١٩/ ٣٣٢) عن سيدنا أنس رضي اللَّه عنه.
(٦) انظر "المعجم الأوسط" (٧١٥٥) عن سيدنا أنس رضي اللَّه عنه.
(٧) قوله: (ولو أمره أحد أبويه بأخذ أو بأكل شبهة. . . إلخ) قال في "المشكاة": والذي يتجه: أن الشبهة إن خفَّت ولم يكن على الولد في ذلك ضررٌ بوجهٍ، وكان إن لم يفعل ذلك تأذَّى الوالد أذًى ليس بالهيِّن. . جاز، وإلَّا. . فلا. اهـ "مدابغي"

<<  <   >  >>