للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولاستحالة اتقاء ما لا يعرف كان اتقاء الشبهات يستدعي تفاصيلها بذكر جُملٍ منها، وهي أن الشيء إذا لم يتنازعه دليلان. . فهو حلالٌ بيِّن، أو حرامٌ بيِّن، وإن تنازعه سبباهما؛ فإن كان سبب التحريم مجرد توهمٍ وتقدير، لا مستند له، كترك النكاح من نساء بلدٍ كبير خشية أن له فيها محرمًا بنسبٍ، أو رضاعٍ، أو مصاهرةٍ، واستعمال ماء بمجرد احتمال وقوع نجاسة فيه. . أُلغي ولم يلتفت إليه بكل حال (١)؛ لأن ذلك التجويز هَوَسٌ، فالورع فيه وسوسةٌ شيطانية؛ إذ ليس فيه من معنى الشبهة شيءٌ، وليس منه تركه صلى اللَّه عليه وسلم لأكل التمرة السابق ذكرها آنفًا؛ لأن احتمال كونها من الصدقة غير بعيد؛ لكثرة إتيانهم بصدقاتِهم التمرِ للمسجد، وحجرته ملتصقةٌ به، فخشي انتثار تمرةٍ منه إلى حجرته، أو أن نحو صبيٍّ دخل بها، فهو احتمالٌ قريبٌ، فتورَّع نظرًا له.

وإن كان سببه له نوعَ قوةٍ. . فالورع مراعاته؛ كما مر في قضية المرضعة وسودة، ومن ثَمَّ سن مراعاة الخلاف الذي لم يعارض سنةً صحيحةً، ولا ضعُف مدركه جدًا؛ لاحتمال أنه الحق؛ إذ المصيب في الفروع واحدٌ لا بعينه، فإن لم يكن له نوع قوة. . لم يتوقف لأجله؛ لأنه ملحقٌ بالقسم الأول.

وإن تكافأ السببان. . تأكد الورع فيه، ولم يجب التوقف فيه إلى الترجيح، خلافًا لبعضهم؛ لأن الأصل: الحل، فاندفع قوله: الإقدامُ على أحد الأمرين من غير رجحانٍ حكمٌ بغير دليلٍ فيحرم؛ إذ لا دليل مع التعارض، ولعل من حرَّم مواقعة الشبهة. . أراد هذا النوع، ومن كرهها. . أراد الذي قبله. اهـ

(ومن وقع في الشبهات. . وقع في الحرام) (٢) أي: كان بصدد الوقوع فيه؛ لأن من أكثر تعاطيها. . ربما صادف الحرام المحض وإن لم يتعمَّده، وقد يأثم بذلك إذا نسب إلى تقصير، ولأن التجرؤ عليها مع اعتياد مواقعتها يوجب تساهلًا وجراءةً


(١) قوله: (واستعمال ماء. . . إلخ) أي: وترك استعمال. . . إلخ.
(٢) قوله: (وقع في الحرام) يحتمل ثلاثة معان: أحدها: مَن أكثر من تعاطي الشبهات. . كان بصدد الوقوع في الحرام؛ فتارة يقع فيه وتارة لا، والثاني: أنه يصادف الحرام وهو لا يشعر به، والثالث: أنه يعتاد التساهل ويتمرن عليه ويجسر على شبهة أغلظ منها، وهكذا حتى يقع في الحرام عمدًا. اهـ "مدابغي"

<<  <   >  >>