للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يحملانه عادةً على الحرام المحض (١)، ومن ثَمَّ قيل: الصغيرة تجرُّ للكبيرة، وهي تجر للكفر، وهو معنى قول السلف -وقيل: إنه حديث-: (المعاصي بريد الكفر) (٢)، المؤيد بقوله تعالى: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}.

وبرواية "الصحيحين" في هذا الحديث: "ومن اجترأ على ما يشك فيه من الإثم. . أوشَكَ أن يواقع ما استبان" (٣) أي: الحرام الذي ظهر.

وبرواية غيرهما: "ومن يخالط الريبة. . يوشك أن يجسر على الحرام المحض" (٤) والجَسور: المقدام الذي لا يهاب شيئًا، ولا يراقب أحدًا.

وفي بعض المراسيل: "من يرعى بجانب الحرام. . يوشك أن يخالطه، ومن تهاون بالمحقرات. . يوشك أن تخالطه الكبائر" (٥).

ثم ضرب صلى اللَّه عليه وسلم مثلًا لمحارم اللَّه فيه أحسن التنبيه، وآكد التحذير، وأصله: أن ملوك العرب كانوا يحمون مراعيَ لمواشيهم، ويتوعَّدون من دخلها بالعقوبة، فيَبْعُد الناس عنها؛ خوفًا من تلك العقوبة، فقال: (كالراعي) أصله: الحافظ لغيره، ومنه قيل للوالي: راعي، وللعامة: رعية، وللزوجة والقِنِّ: راعيان في مال الزوج والسيد، ونحو ذلك، ثم خُصَّ عرفًا بحافظ الحيوان كما هنا.

(يرعى حول الحمى) أي: المحمي؛ وهو: المحظور على غير مالكه (٦).

(يوشِك) بكسر الشين مضارع أوشك بفتحها، وهو من أفعال المقاربة، ومعناها


(١) في بعض النسخ: (يوجب تساهلًا وجرأة يحملانه عادة على الجرأة على الحرام).
(٢) أخرجه البيهقي في "الشعب" (٦٨٣١)، وأبو نعيم في "الحلية" (١٠/ ٢٢٩) عن أبي حفص النيسابوري رحمه اللَّه من كلامه.
(٣) صحيح البخاري (٢٠٥١) والبيهقي في "السنن الكبرى" (٥/ ٢٦٤) وعزاه للبخاري ومسلم، وقال: (وأخرجه مسلم من وجه آخر عن أبي فروة) وهو رواية ذكر مسلم السند فيها فقط بحد الحديث (١٥٩٩)، كلهم أخرجه عن سيدنا النعمان بن بشير رضي اللَّه عنهما.
(٤) أخرجه أبو داوود (٣٣٢٩)، والنسائي (٧/ ٢٤١)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٥/ ٣٣٤) عن سيدنا النعمان بن بشير رضي اللَّه عنهما بنحوه.
(٥) عزاه الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه اللَّه تعالى في "جامع العلوم والحكم" (١/ ٢٠٥) إلى "مراسيل أبي المتوكل الناجي".
(٦) قوله: (على غير مالكه) بأن يمنع الإمام أو نائبه من رَعْيِ مكانٍ لأجل مواشي الصدقة أو خيل المجاهدين. اهـ هامش (غ)

<<  <   >  >>