للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أحكام المسلمين، وكان في الآخرة من أسوأ الكافرين، فرب عاصٍ في الظاهر يصادف عند اللَّه خيرًا، وبالعكس.

ومن ثَمَّ صح أنه صلى اللَّه عليه وسلم قال: "إنكم لتختصمون إليَّ، ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض. . . " الحديث (١)، وقال: "نحن نحكم بالظاهر، واللَّه يتولى السرائر" (٢)، وقال: "ما أُمرت أن أشق عن قلوب الناس ولا بطونهم" (٣)، وقال: "فهلَّا شققت عن قلبه. . . " الحديث (٤)، وقال تعالى: {فَإِن تَابُوا} أي: أسلموا {وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ}، وفي الآية الأخرى: {فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ}.

وما فهم منهما من أن من ترك واحدة من الثلاثة لا يُخلَّى سبيله وليس بأخٍ لنا. . موافقٌ للحديث الذي نحن فيه، وبهما يظهر قول الشافعي ومالك: يقتل تارك الصلاة وإن اعتقد وجوبها كما مر، ويُرَدُّ قول المرجئة: إنه لا يضر مع الإيمان معصية، كما لا ينفع مع الكفر طاعة.

وفي تلك الأحاديث والآيتين دليلٌ أيضًا على أن من أظهر الإسلام وأسرَّ الكفر. . قُبِلَ إسلامه ظاهرًا، وهو ما ذهب إليه الجمهور، وقال مالك وأحمد: لا تقبل توبة الزنديق، ولأصحابنا فيه خمسة أوجه؛ أصحها: قبول توبته مطلقًا وإن تكررت أو كانت تحت السيف، أو كان داعية إلى الضلال.

(رواه البخاري) بلفظه المذكور جميعه (ومسلم) ما عدا قوله: "إلا بحق الإسلام" وعجيبٌ من المصنف رحمه اللَّه تعالى مع شدة تحقيقه وحفظه كيف أوهم أن كلًّا من الشيخينِ خرجه جميعه (٥).


(١) أخرجه البخاري (٢٦٨٠)، ومسلم (١٧١٣) عن أم المؤمنين سيدتنا أم سلمة رضي اللَّه عنها.
(٢) ذكره الملا علي القاري رحمه اللَّه تعالى في "المصنوع" (٣٨)، وانظر تعليق الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه اللَّه.
(٣) أخرجه البخاري (٤٣٥١)، ومسلم (١٠٦٤/ ١٤٤) بنحوه عن سيدنا أبي سعيد الخدري رضي اللَّه عنه.
(٤) أخرجه مسلم (٩٦)، وأبو داوود (٢٦٤٣) عن سيدنا أسامة بن زيد رضي اللَّه عنهما.
(٥) رواه البخاري ومسلم في (كتاب الإيمان) إلا أن مسلمًا لم يذكر في حديثه عن ابن عمر رضي اللَّه عنه: "إلا بحق الإسلام"، لكنه قال في رواية له عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه: "إلا بحقها"، وفي رواية أخرى: "إلا بحقه"، فنسبه المؤلف إلى تخريجه بالنظر إلى مجموع رواياته، وذلك يقع للمحدثين كثيرًا، ولا ينكره إلا من لم =

<<  <   >  >>