للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أبي شيخًا كبيرًا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: "نعم" (١)، وفي روايةٍ: لا يستطيع أن يستوي على ظهر بعير، وفي أُخرى: عليه فريضة اللَّه في الحج، وفي أخرى: "فحجي عنه" (٢). . ظاهرٌ في الدلالة للأولين (٣)، وتكلَّف المالكية للجواب عنه بما يأباه ظاهره، ومنه (٤): أن ظاهر الاستطاعة في القرآن يخالفه، فقُدِّم لتواتره.

ويجاب عنه بأنه مبنيٌّ على ما مر لهم أن المفهوم من الاستطاعة عرفًا: الاستطاعة بالنفس، ومرَّ أنه محل النزاع، وأنه يحتمل أن معنى (أدركتْهُ) أنه فرض وهو مريضٌ، وترده الرواية الأخيرة، وأن هذا ظنٌّ منها وليس مطابقًا للواقع، ويرد: بأن هذا مجرد دعوى، وإلَّا. . فسكوته صلى اللَّه عليه وسلم على سؤالها وإجابته عليه ظاهر في تقريره وصحته، وأنَّ أمرها بالحج إنما هو من باب التطوع وإيصال الخير للميت، بدليل قوله للأخرى لما قالت: إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج، أفأحج عنها؟ قال: "حجي عنها، أرأيت لو كان على أمكِ دينٌ أكنت قاضيتَه عنها؟ " قالت: نعم (٥).

ويرد بأن الأصل في الأمر: الوجوب، وهو عندنا واجبٌ على وارثٍ خلَّف ميِّتُه تركةً، وقد مات وعليه حجة إسلامٍ، أو نذرٍ، فالأمر على قواعدنا باقي على حقيقته في الحديثينِ، وعلى قواعدهم مخرجٌ عنها، وإخراجه عنها يحتاج لدليلٍ يخرجه عنها، ومجردُ دعوى أنه من ذلك الباب ليس دليلًا، ودعوى اختصاصه بها، أو أنه مضطربٌ غيرُ مقبولة؛ إذ الخصوصية لا تثبت إلا بدليل، والاضطرابُ على نحو ما في هذا الحديث غيرُ مؤثر.

وفي الحديث ردٌّ على مَنْ منع حجَّ المرأة عن الرجل، والحج عن الغير مطلقًا،


(١) أخرجه البخاري (١٥١٣)، ومسلم (١٣٣٤) عن سيدنا ابن عباس رضي اللَّه عنهما.
(٢) عند مسلم (١٣٣٥) عن سيدنا ابن عباس رضي اللَّه عنهما.
(٣) قوله: (ظاهرٌ في الدلالة) خبر لقوله: (وحديث الخثعمية).
(٤) أي: وممَّا يأباه ظاهره.
(٥) أخرجه البخاري (٧٣١٥)، والبيهقي في "الكبرى" (٤/ ٣٣٥)، والطبراني في "الكبير" (١٢/ ٤٠) عن سيدنا ابن عباس رضي اللَّه عنهما.

<<  <   >  >>