للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فاتركه؛ فإن العلماء اختلفوا في إباحة الصيد للمحرم إذا لم يصده هو، ومن ثَمَّ كان الخروج من الخلاف أفضل؛ لأنه أبعد عن الشبهة.

نعم؛ المحققون على أن ما ثبت عنه صلى اللَّه عليه وسلم فيه رخصةٌ ليس لها معارضٌ. . اتباعُها أَولى من اجتنابها وإن منعها من لم تبلغه (١)، أو لتأويلٍ بعيدٍ؛ مثاله: من تيقَّن الطهارة وشك في الحدث، فإنه صح أنه صلى اللَّه عليه وسلم قال فيه: "لا ينصرف حتى يسمع صوتًا، أو يجد ريحًا" (٢) ولا سيما إن كان شكه في الصلاة، فإنه يحرم عليه قطعها وإن أوجبه بعضهم.

نعم؛ قيل: ينبغي أن التدقيق في التوقف عن الشبهات إنما يصلح لمن استقامت أحواله كلها، وتشابهت أعماله في التقوى والورع، بخلاف المنهمك في المحرمات، ومن ثَمَّ قال ابن عمر رضي اللَّه تعالى عنهما لمن سأله عن دم البعوض من أهل العراق: (يسألونني عن دم البعوض وقد قتلوا الحسين!) قال: وسمعت النبي صلى اللَّه عليه وسلم يقول: "هما ريحانتاي من الدنيا" (٣).

واستأذن رجلٌ أحمدَ أن يكتب من محبرته، فقال: (اكتب، هذا ورعٌ مظلم) (٤)، وقال لآخر كذلك: (لن يبلغ ورعي ولا ورعك هذا) (٥).

* * *


(١) ما ثبت من الرخصة فيه أخرجه البخاري (١٨٢٤)، ومسلم (١١٩٦) عن سيدنا أبي قتادة رضي اللَّه عنه.
(٢) تقدم تخريجه (ص ٢٤١). والمراد من الصوت والريح: التيقن والتحقق كما مر؛ فإنه قد يكون أصم فلا يسمع الصوت، وأخشم فلا يشم الريح؛ أي: الرائحة. اهـ هامش (غ)
(٣) أخرجه البخاري (٥٩٩٤)، والترمذي (٣٧٧٠)، والإمام أحمد (٢/ ٩٣).
(٤) أخرجه السمعاني في "أدب الإملاء والاستملاء" (ص ١٥٧).
(٥) أخرجه السمعاني في "أدب الإملاء والاستملاء" (ص ١٥٦).

<<  <   >  >>