للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والكفر كما كفر جبلة بن الأيهم حين غضب من لطمةٍ أُخذت منه قصاصًا (١).

وبهذا التقرير يصح أن يقال في هذا الحديث: إنه ربع الإسلام؛ لأن أعمال الإنسان إما خيرٌ وإما شرٌّ، والشر إما أن ينشأ عن شهوة، أو عن غضب، وهذا الحديث متضمنٌ لنفي الغضب، فيتضمن نفي نصف الشر، وهو ربع المجموع، فكان هذا الحديث ربعًا من هذه الجهة، وهذا ظاهرٌ وإن لم أر من عرج عليه.

ويدل على انحصار سبب الشر في الشهوة والغضب: أن الملائكة لما تجردوا عنهما. . تجردوا عن سائر الشرور جملةً وتفصيلًا.

ثم الغضب له دواءٌ دافع، ودواءٌ رافع: فالدافع يحصل بذكر فضيلة الحلم وكظم الغيظ؛ نحو قوله تعالى: {وَالكَاظِمِيْنَ الْغَيْظَ} وقوله صلى اللَّه عليه وسلم: "أشدكم من غلب على نفسه عند الغضب، وأحلمكم من عفا بعد القدرة" (٢)، وقوله صلى اللَّه عليه وسلم: "من كظم غيظًا وهو قادرٌ على أن ينفذه. . دعاه اللَّه عز وجل على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره في أيِّ الحور شاء" رواه أحمد وأصحاب السنن إلا النسائي، وقال الترمذي: حسن غريب (٣)، وقوله صلى اللَّه عليه وسلم: "ليس الشديد بالصُّرَعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب"، والصُّرَعة: الذي يصرع الناس ويكثر منه ذلك.

ومن ثَمَّ لما غضب عمر على مَنْ قال له: ما تقضي بالعدل ولا تعطي الجزل، واحمرَّ وجهه. . قيل له: يا أمير المؤمنين؛ ألم تسمع أن اللَّه تعالى يقول: {خُذِ الْعَفوَ وَأْمُرْ بالعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَهِلِينِ} وهذا من الجاهلين؟! قال: (صدقت) فكأنما كان نارًا فأُطفئت (٤).


(١) آخر ملوك غسان بالشام، وهو الذي أسلم في خلافة سيدنا عمر رضي اللَّه عنه، ثم عاد إلى الروم وتنصَّر. اهـ هامش (غ)
(٢) ذكره الديلمي في "الفردوس" (٨٥٠) عن سيدنا علي رضي اللَّه عنه بنحوه.
(٣) مسند الإمام أحمد (٣/ ٤٤٠)، وسنن أبي داوود (٤٧٧٧)، وسنن الترمذي (٢٠٢١) عن سيدنا معاذ بن أنس الجهني رضي اللَّه عنه.
(٤) أخرجه البخاري (٤٦٤٢)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٨/ ١٦١) عن سيدنا ابن عباس رضي اللَّه عنهما بنحوه.

<<  <   >  >>