للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صيانة دماغه (١). . تعيَّن أن يشكر بالتصدُّق بما يأتي وغيره مَنْ أنعمَ عليه بذلك مقابلةً لتلك النِّعم.

وأيضًا: فالصدقة تدفع البلاء، فبوجودها عن أعضائه يرجى اندفاع البلاء عنها.

ثم من مزيد لطف اللَّه تعالى بعبده وتفضُّله عليه: تسمية ذلك صدقة إجراءً له مجرى ما يتطوع به.

وظاهر قوله: "عليه صدقة كل يوم" وجوب الشكر بهذه الصدقة كل يوم، لكن في حديث "الصحيحين": "فإن لم يفعل. . فليمسك عن الشر؛ فإنه له صدقة" (٢) وهو يدل على أنه يكفيه ألَّا يفعل شيئًا من الشر، ويلزم من ذلك القيام بجميع الواجبات، وترك جميع المحرمات، وهذا هو الشكر الواجب وهو كافٍ في شكر هذه النعم وغيرها (٣).

وأما الشكر المستحبُّ. . فهو أن يزيد على ذلك بنوافل الطاعات القاصرة كالأذكار، والمتعدية كالعدل والإعانة، وهذا هو المراد من هذا الحديث وأمثاله السابقة والآتية، مع أنه ذكر فيه بعض الواجبات.

وإذ قد تقرر أن للَّه سبحانه وتعالى على الإنسان في كل عضو ومفصلٍ نعمةً، وأن كلًّا من تلك النعم يستدعي مزيد الشكر عليه، وأن ذلك الشكر حقٌّ للَّه تعالى على عباده، وأنه تفضل عليهم فسماه صدقةً. . زاد في ذلك التفضُّل عليهم فوهب ذلك الشكر لهم صدقةً عليهم، فكأنه قال: اجعل شكر نعمتي في أعضائك أن تعين بها عبادي وتتصدَّق عليهم بذلك؛ كما أشار صلى اللَّه عليه وسلم إلى ذلك بتعقيبه طلبَ الشكر على تلك النِّعم المسمى صدقةً زيادةً في التلطُّف والإنعام بقوله مشيرًا إلى أن


(١) اليافوخ: ملتقى عظم مقدم الرأس وعظم مؤخره، وهو المكان الذي يكون لينًا في رأس الطفل، والمراد بها: عظام الرأس كلها.
(٢) صحيح البخاري (١٤٤٥)، ومسلم (١٠٠٨) عن سيدنا عبد اللَّه بن قيس رضي اللَّه عنه.
(٣) دخل سفيان الثوري على أبي عبد اللَّه جعفر بن محمد الصادق رضي اللَّه تعالى عنهما فقال: علمني يا بن رسول اللَّه مما علمك اللَّه، فقال: إذا تظاهرت الذنوب. . فعليك بالاستغفار، وإذا تظاهرت النِّعم. . فعيك بالشكر، وإذا تظاهرت الغموم. . فقل: لا حول ولا قوة إلا باللَّه، فخرج سفيان وهو يقول. ثلاثٌ وأيُّ ثلاثٍ. اهـ هامش (غ)

<<  <   >  >>