للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"السنن الأربعة" ووقع في "مسلم" أنه أنصاري، وحمل على أنه حليفٌ لهم، قال: (أقمت مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالمدينة سنة ما يمنعني من الهجرة -أي: العود إلى الوطن- إلا المسألة) (١) أي: التي كانت تَرِد عليه صلى اللَّه عليه وسلم من بعض أصحابه، فإقامته تلك السنة كانت مع عزمه على العود إلى وطنه، لكنه أحب أن يتفقَّه في الدين تلك المدة بسماع تلك الأسئلة التي ترد عليه صلى اللَّه عليه وسلم وأجوبتها؛ لما مر أن المهاجرين والقاطنين بالمدينة لما أكثروا الأسئلة عليه صلى اللَّه عليه وسلم ونُهوا عن ذلك. . كانوا يحبون أن يأتي أهل البادية ويسألوا حتى يسمعوا فيتعلموا.

قيل: وفيما ذكره دلالةٌ على أن الهجرة لم تكن واجبةً على غير أهل مكة. انتهى، وفيه نظر؛ لأنه إن أُريد نفي الوجوب عن غير أهل مكة قبل الفتح. . لم يكن في عزمه على الرجوع لوطنه دلالة على ذلك؛ لاحتمال أنه بعد الفتح، وعلى التنزل وأنه قبله فيحتمل أنه إنما مُكِّن من العود لوطنه؛ لأن له ثَمَّ عشيرة تحميه، ومَنْ له عشيرة كذلك. . لا تلزمه الهجرة، أو بعده لم يكن في ذلك خصوصية لغير أهل مكة، بل أهلها ارتفع الوجوب عنهم بعد الفتح.

(عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: البِرُّ) أي: معظمه، فالحصر فيه مجازيٌّ نظير ما مر في: "الدين النصيحة" (٢) وضده الفجور والإثم، ولذلك قابله به، وهو بهذا المعنى: عبارةٌ عمَّا اقتضاه الشرع وجوبًا أو ندبًا، كما أن الإثم: عبارةٌ عمَّا نهى الشرع عنه، وتارة يقابَل البرُّ بالعقوق، فيكون عبارة عن الإحسان، كما أن العقوق عبارة عن الإساءة، من بَرِرْت فلانًا بالكسر أَبَرُّه بِرًا فأنا بَرٌّ بفتح أوله وبارٌّ به، وجمع الأول: أبرار، والثاني: بررة.

(حسن الخلق) أي: التخلُّق (٣)، والمراد به هنا: المعروف، وهو كما مر:


(١) تقدم تخريجه (ص ٢٨٠) في شرح الحديث التاسع.
(٢) انظر ما تقدم (ص ٢٥٣) وهو الحديث السابع من أحاديث المتن.
(٣) قال العلامة الشبرخيتي رحمه اللَّه تعالى في "الفتوحات الوهبية" (ص ٢٢٨): (وقد روى الحسن عن أبي الحسن عن جد الحسن بسندٍ حسن: "إن أحسن الحسن الخلق الحسن" رواه الترمذي وقال: حديث حسن، وقال اين عباسٍ رضي اللَّه تعالى عنهما: الخلق الحسن يذيب الخطايا كما تذيب الشمس الجليد، والخلق السيء يفسد العمل كما يفسد الخل العسل. وقال معاذ بن جبل: آخر ما أوصاني به رسول اللَّه صلى اللَّه =

<<  <   >  >>