للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سقط منه شطرٌ ثابتٌ في أصل "الترمذي" لا يتم الكلام بدونه، ومع ذلك لم يتنبه له أكثر الشراح، وكأنه انتقل نظره من "سنامه" إلي "سنامه" إذ لفظ الترمذي بعد "سنامه" المذكور: قلت: بلى يا رسول اللَّه، قال: "رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذورة سنامه الجهاد" وقد وقع له ذلك في "الأذكار" أيضًا (١)، وكأنه قلَّد فيه الحافظ ابن الصلاح، فإنه لمَّا ذكر الأحاديث التي قيل: إنها أصول الإسلام أو الدين، أو التي عليها مدارهما أو مدار العلم، ذكر من جملتها هذا الحديث بالإسقاط المذكور، لكن عذره أن ابن ماجه ذكره كذلك (٢)، فلا اعتراض عليه؛ لأنه لم يلتزم رواية شخصٍ بخصوصها، بخلاف المصنف؛ فإنه هنا إنما ساق لفظ الترمذي كما سيذكره (٣)، ولفظه كما عرفت ليس فيه الإسقاط المذكور، ويقع في بعض نسخ المتن ذكر ذلك الإسقاط، فيحتمل أن المصنف تنبه له بعدُ فالحقه، ويحتمل أنه من فعل بعض تلامذته أو غيرهم (٤).

وفي قوله: "رأس الأمر الإسلام. . . إلخ" استعارة بالكناية يتبعها استعارة ترشيحية؛ لأنه شبَّه الأمر المذكور بفحل الإبل وبالبيت القائم على عمد، وأضمر هذا التشبيه في النفس، ثم ذكر ما يلائم المشبَّه به وهو الرأس والسنام والعمود.

ووجه إيثار الإبل بالذكر: أنها خيار أموالهم، ومن ثم كانوا يشبهون بها رؤساءهم، وإنما كان الإسلام المراد به الإيمان هو الرأس؛ لأنه لا حياة لشيءٍ من الأعمال بدونه، كما أن الحيوان لا حياة له بدون رأسه، والصلاة هي العمود؛ لأنه الذي يقيم البيت ويرفعه ويهيئه للانتفاع به، والصلاة هي التي تقيم الدين وترفعه وتهيِّئُ فاعلها لِتَحلِّيه بمعالي القرب، واستغراقِهِ في أنوار الشهود.


(١) انظر "الأذكار" (١٠٠٢) إلا أن الساقط من الحديث هنا ثابت فيه، فليتنبه.
(٢) سن ابن ماجه (٣٩٧٣).
(٣) قوله: (بخلاف المصنف؛ فإنه هنا إنما ساق. . . إلخ) أقول: قضية ذكر ابن ماجه له كذلك، وتعليل ابن الصلاح له أن معناه تام في نفسه؛ وحينئذٍ فلا اعتراض على المصنف حيث اقتصر من كلام الترمذي على ذلك إشارة إلى أنه لا يتوقف المعنى على ذكر الزيادة، وأنه يصح الإخبار بالجهاد عن الجميع؛ إذِ المجاهد لا يكون إلا مسلمًا مصليًا. فاجتمع فيه تلك الأمور، فليتأمل. اهـ "مدابغي"
(٤) ويحتمل أن الإسقاط من بعض النُّسَّاخ، أو أنها سقطت من أصل المصنف من "الترمذي" اهـ "مدابغي"

<<  <   >  >>