وكأنه يريد: إنَّ تطرُّقَ الرياء للعلم أكثرُ من تطرقه لسائر العبادات، فاحتيج للتنبيه فيه على الإخلاص اعتناءً بشأنه.
ومن آلات الشرعي من تفسيرٍ وحديثٍ وفقهٍ المنطقُ الذي بأيدي الناس اليوم؛ فإنه علمٌ مفيدٌ لا محذور فيه بوجهٍ، وإنما المحذور فيما كان يُخلط به قبل من الفلسفيات المنابذة للشرائع، ولأنه نحو المعاني، كما أن النحو منطق الألفاظ، ولأنه كالعربية في أنه من مواد أصول الفقه، ولأن الحكم الشرعي لا بد من تصورِه والتصديقِ به إثباتًا أو نفيًا، والمنطق هو المرصد لبيان أحكام التصور والتصديق، فوجب كونه علمًا شرعيًا؛ إذ هو: ما صدر عن الشرع أو يتوقف عليه العلم الصادر عن الشرع توقف وجوب؛ كعلم الكلام، أو توقف كمال؛ كعلم العربية والمنطق، وهذا هو موجب مدح الغزالي له وقوله:(لا ثقة بفقه من لم يتمنطق) أي: من لا تكون قواعد المنطق مركوزةً بالطبع في ذهنه كالمجتهدين في العصر الأول، أو بالتعلم.
وممن أثنى عليه أيضًا الفخر الرازي، والسيف الآمدي، وابن الحاجب، وشُرَّاح كتابه، وغيرهم من الأئمة.
وقول ابن الصلاح وغيره بتحريمه محمولٌ على ما كان في زمنهما من المخلوط بالفلسفة وفروعها من الإلهي والطبيعي والرياضي، على أن الحليمي وغيره صرحوا بجواز تعلُّم هذه؛ ليردَّ على أهلها، ويدفع شرهم عن الشريعة، فيكون من باب إعداد العدة.
(سهل اللَّه له [به] طريقًا إلى الجنة) أي: أن طلبه وتحصيله يرشد إلى طلب الهداية والطاعة الموصلة إلى الجنة (١)، وذلك ليس إلا بتسهيله تعالى، وإلَّا. . فبدون لطفه وتوفيقه لا ينفع علم ولا غيره، أو أنه يُجازى على طلبه وتحصيله بتسهيل دخول الجنة بألَّا يرى من مشاقِّ الموقف ما يراه غيره، وهذا أقرب لظاهر الحديث.
واستفيد منه مع ما قبله ومع قوله تعالى:{جَزَآءً وِفَاقًا} أن الجزاء يكون من جنس
(١) فيكون قد استعار اسم الطريق للهداية بجامع أن كلًّا منهما -أي: الهداية والطريق الحسي- موصلٌ، وذلك على طريق الاستعارة التحقيقية. "شبشيري"، وكان ينبغي للشارح ألَّا يقحم لفظ (طلب) في قوله: (يرشد إلى طلب. . . إلخ) فتأمل. اهـ "مدابغي"