للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نعم؛ قد تعظم بنحو شرف زمانٍ أو مكانٍ؛ قال تعالى: {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} أي: في الأشهر الحرم، قال قتادة: الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزرًا، وسبقه إلى ذلك ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما (١).

وفي حديثين ضعيفين: أن السيئة تضاعف في رمضان (٢)، وقال مجاهد: (تضاعف السيئة بمكة كما تضاعف الحسنة)، وقال ابن جريج: (بلغني أن الخطيئة بها بمئة خطيئة في غيرها) (٣)، وقيل لأحمد: في شيءٍ من الحديث أن السيئة تكتب بأكثر من واحدة؟ قال: (لا، ما سمعنا إلا بمكة لتعظيم البلد) (٤)، وكذا قال إسحاق.

وينبغي حمل المضاعفة هنا على عظم جرم السيئة ومزيد العذاب عليها (٥)؛ حتى لا ينافي هذا حديثَ أحمد السابق: "ولم تضاعف عليه" وحديثَ الباب، وقولَه تعالى: {فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا}.

نعم؛ يدل على المضاعفة: {يَانِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} إلا أن تحمل المضاعفة هنا على ما ذكرته (٦)، وبه يعلم أن السيئة تعظم أيضًا بشرف فاعلها وقوة معرفته باللَّه تعالى وقربه منه؛ فإن من عصى السلطان على بساطه أعظم جرمًا ممن عصاه على بعد.

ثم قوله: (وإن هم. . . إلخ) فيه دليلٌ على أن العزم لا يكتب معها، لكن مفهوم الحديث الآتي خلافه، واعتمده قاضي القضاة التقي ابن رزين من أئمتنا، فإنه أفتى بأن


(١) انظر "الدر المنثور" (٤/ ١٨٦ - ١٨٧). ونقل ذلك عن سيدنا ابن عباس رضي اللَّه عنهما حيث قال: (ما لي وبلد تضاعف فيها السيئات كما تضاعف فيها الحسنات) اهـ "مدابغي"
(٢) انظر "جامع العلوم والحكم" (٢/ ٣١٧).
(٣) انظر هذه الأقوال في "جامع العلوم والحكم" (٢/ ٣١٨).
(٤) انظر "فتح الباري" (١١/ ٣٢٩).
(٥) هو المعتمد، يعني: أن هذا محمولٌ على زيادة عذاب السيئة في الكيف، لا في الكمِّ، واللَّه أعلم. اهـ هامش (غ)
(٦) قوله: (بفاحشة مبينة) أي: ظاهر قبحها، وعن ابن عباسٍ رضي اللَّه عنهما: (هي النشوز وسوء الخلق وإيلام قلبه الشريف)، وقوله: (على ما ذكرته) أي: من عظم جرم السيئة، أو لأنه ورد تعظيمًا لحق المصطفى صلى اللَّه عليه وسلم؛ لأن وقوع ذلك من نسائه يقتضي أمرًا زائدًا على الفاحشة وهو أذاه صلى اللَّه عليه وسلم. اهـ "مدابغي"

<<  <   >  >>