للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعند امتلاء القلب بمعرفته تعالى ينمحي منه كل ما سواه، فلا ينطق إلا بذكره، ولا يتحرك إلا بأمره، فإن نطق. . نطق باللَّه (١)، وإن سمع. . سمع به، وإن نظر. . نظر به، وإن بطش. . بطش به، ومن هنا قال علي كرم اللَّه وجهه: (إنا كنا لنرى أن شيطان عمر ليهابه أن يأمره بالخطيئة) (٢) وهذا هو التوحيد الأكمل؛ إذ مَنْ تحقَّق به. . لم يبقَ فيه محبةٌ لغير اللَّه تعالى بوجهٍ، وفي الحديث: "من أصبح وهمه غير اللَّه. . فليس من اللَّه"! (٣) أي: لا حظَّ له في قربه ومحبته ورضاه.

(ولئن سألني. . لأعطينه) (٤) كما وقع لكثيرٍ من السلف وغيرهم، وقد استوفى كثيرًا منهم بعضُ الشراح فلا نطيل بذكرهم (٥).

(ولئن استعاذني) بالنون أو الباء الموحدة (٦) (لأعيذنه) أي: مما يخاف، وهذا حال الحبيب مع محبوبه، وفي روايةٍ زيادة: "وإذا استنصرني. . نصرته" (٧)، وفي هذا الوعد المحقق المؤكد بالقسم إيذانٌ بأن من تقرَّب بما مر. . لا يُردُّ دعاؤه، وبأن الكُمَّل يطلب منهم الدعاء كغيرهم، خلافًا لمن زعم أن الأَولى تركه رضًا بما سبق من اختيار الحق، وكفاه ردًا عليه نصوص الكتاب والسنة بطلب الدعاء ومزيد فضله والحث عليه، وهي كثيرةٌ شهيرةٌ، وقد سأل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام العافية والرزق والولد.

ولِمَا فيه من إظهار الذِّلة والافتقار إلى اللَّه تعالى وكونه صلى اللَّه عليه وسلم لم يأمر أحدًا بتركه، وإنما الذي، أمر به الصبر، وهو لا ينافي الدعاء، فقد دعا أيوب -صلى اللَّه على نبينا وعليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين وسلَّم- بكشف ضره مع قوله تعالى في حقه: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ}.


(١) أي: بما يرضي اللَّه، ومثله يقال فيما بعده. اهـ هامش (ج).
(٢) أخرجه أحمد في "فضائل الصحابة" (٧١١)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (٤٤/ ١١٠).
(٣) أخرجه الحاكم (٤/ ٣٢٠).
(٤) في نسخ المتن: (وإن سألني. . أعطيته)، وما أُثبت من نسخ الشرح موافقٌ لما في "البخاري" لكن في "البخاري": (وإن).
(٥) انظر "جامع العلوم والحكم" (٢/ ٣٤٨) وما بعدها.
(٦) أي: استعاذ بي.
(٧) عند الطبراني في "الكبير" (٨/ ٢٢١) عن سيدنا أبي أمامة رضي اللَّه عنه.

<<  <   >  >>