للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكان كثيرٌ من السلف مجابَ الدعوة، ومع ذلك صبروا على البلاء، منهم سعد بن أبي وقاص رضي اللَّه تعالى عنه، لما عمي. . قيل له: لو دعوت اللَّه تعالى؟ فقال: (قضاء اللَّه تعالى أحبُّ إليَّ من بصري) (١).

وقيل لمن ابتُلي بالجذام وهو يعرف الاسم الأعظم: لو دعوت اللَّه تعالى؟ فقال: هو الذي ابتلاني، وأنا اكره أن أُرادِدَه، وقيل ذلك لإبراهيم التيمي وهو في سجن الحجاج، فقال: أكره أن أدعوه أن يفرج عنِّي ما لي فيه أجر، وصبر سعيد بن جبير على أذى الحجاج حتى قتله، مع أنه كان مجاب الدعوة (٢).

وقد لا يُجاب الولي إلى سؤاله؛ لعلم اللَّه تعالى أن الخير له في غيره، مع تعويضه له خيرًا منه؛ إما في الدنيا، أو الآخرة (٣)، ومر خبر: "إن من عبادي المؤمنين من يريد بابًا من العبادة فأكفه عنه؛ لا يدخله عجبٌ فيفسده" (٤).

(رواه البخاري) لكن بزيادة بعد (لأعيذنه): "وما ترددتُ عن شيءٍ أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن؛ يكره الموت وأنا اكره مساءته" (٥) والتكلم في بعض رواته غيرُ مقبولٍ، ورُوي من وجوهٍ أُخَر سبقت الإشارة إليها، لكن لا تخلو كلها من مقال.

نعم؛ له طريقٌ إسنادها جيدٌ، لكنه غريبٌ جدًّا، وهي أنه صلى اللَّه عليه وسلم قال: "إن اللَّه تعالى أوحى إليَّ: يا أخا المرسلين، ويا أخا المنذرين؛ أنذر قومك ألَّا يدخلوا بيتًا من بيوتي ولأحدٍ عندهم مظلمة؛ فإني ألعنه ما دام قائمًا بين يديَّ يصلي حتى يؤدي تلك الظلامة إلى أهلها، فأكون سمعه الذي يسمع به، وأكون بصره الذي


(١) انظر "جامع العلوم والحكم" (٢/ ٣٥٤).
(٢) قوله: (مع أنه كان مجاب الدعوة) فقد دعا على الحجاج عند قتله بقوله: اللهم، لا تسلطه على أحدٍ غيري، فمات بعد قتله بنحو سبعة عشر يومًا. اهـ "مدابغي".
(٣) قوله: (وقد لا يجاب الولي إلى سؤاله) هذا جواب سؤالٍ مقدر يَرِد على قوله في الحديث الشريف: "ولئن سألني. . لأعطينه" وعبارة غيره: وقد استشكل بأن جماعةً من العبَّاد والصلحاء دعوا وبالغوا ولم يجابوا، والجواب: إن الإجابة تتنوع؛ فتارةً يقع المطلوب بعينه، وتارة يقع ولكن يتأخر لحكمة، وتارة قد تقع الإجابة ولكن بغير عين المطلوب؛ حيث لا يكون في المطلوب مصلحة ناجزة، أو أصلح منها. اهـ "مدابغي"
(٤) تقدم تخريجه (ص ٥٩٩).
(٥) صحح البخاري (٦٥٠٢) عن سيدنا أبي هريرة رضي اللَّه عنه.

<<  <   >  >>