للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وما ذكره ابن عمر مقتضبٌ من معنى الحديث؛ لأن الغريب إذا أمسى في بلد غربته. . لا ينتظر الصباح، وإذا أصبح. . لا ينتظر المساء، فكذلك الإنسان في الدنيا المشبه للغريب في حاله، وإمكانِ حدوث ترحاله.

وقد ورد معنى هذه الوصية عنه صلى اللَّه عليه وسلم من عدة طرقٍ؛ منها خبر الحاكم: أنه صلى اللَّه عليه وسلم قال لرجلٍ وهو يعظه: "اغتنم خمسًا قبل خمسٍ: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك" (١).

وفي الحديث أيضًا: "بادروا بالأعمال فتنًا كقطع الليل المظلم" (٢) أي: لما صح: "ثلاثٌ إذا خرجن. . لم ينفع نفسًا إيمانُها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانُها خيرًا: طلوع الشمس من مغربها، والدجال، ودابة الأرض" (٣).

وروى الترمذي: "ما من ميتٍ يموت إلا ندم" قالوا: وما ندامته؟ قال: "إن كان محسنًا. . ألَّا يكون زاد، وإن كان مسيئًا. . ألَّا يكون استعتب" (٤) أي: تاب وأصلح شأنه؛ فلذا يتعيَّن اغتنام ما بقي من العمر؛ إذ هو لا قيمة له، قال ابن جبير: (كل يوم يعيشه المؤمن غنيمة) (٥).

(رواه البخاري) وهو حديثٌ شريفٌ، عظيم القدر، جليل الفوائد، جامعٌ لأنواع الخير وجوامع المواعظ، فانظر إلى ألفاظه ما أحسنها، وأشرفها، وأعظمها بركة، وأجمعها لخصال الخير، والحث على الأعمال الصالحة أيام الصحة والحياة!

* * *


= ولا تغفل عن الإحسان فيها ... فما تدري السكونَ متى يكونُ
وإن تظفر بذاك فلا تقصِّر ... فإن الدهر عادته يخونُ
(١) المستدرك (٤/ ٣٠٦) عن سيدنا ابن عباس رضي اللَّه عنهما.
(٢) أخرجه مسلم (١١٨)، والترمذي (٢١٩٥) عن سيدنا أبي هريرة رضي اللَّه عنه.
(٣) أخرجه مسلم (١٥٨)، والترمذي (٣٠٧٢) عن سيدنا أبي هريرة رضي اللَّه عنه.
(٤) سنن الترمذي (٢٤٠٣) عن سيدنا أبي هريرة رضي اللَّه عنه.
(٥) أخرجه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (٤/ ٢٧٦).

<<  <   >  >>