للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكان يصوم النهار، ويقوم الليل، ويرغب عن غشيان النساء (١)، لازم أباه حتى توفي بمصر، ثم انتقل إلى الشام حتى مات يزيد، ثم انتقل لمكة ومات بها -وقيل: بالطائف، وقيل: بالشام، وقيل: بمصر- سنةَ خمس أو سبع أو تسع وستين عن اثنين وسبعين أو تسعين سنة، وقد عمي آخر عمره رضي اللَّه تعالى عنه.

(قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: لا يؤمن أحدكم) أي: إيمانًا كاملًا (حتى يكون هواه) بالقصر: ما يهواه؛ أي: ما تحبه نفسه وتميل إليه (٢)، فحقيقته: شهوات النفوس، وهي ميلها إلى ما يلائمها، وإعراضها عمَّا ينافرها، مع أنه كثيرًا ما يكون عطبها في الملائم، وسلامتها في المنافر.

ثم المعروف في استعمال الهوى عند الإطلاق: أنه الميل إلى خلاف الحق؛ ومنه: {وَلَا تَتَّبعٍ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}، {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى الْنَّفْسَ عَنِ الْهَوَى}.

وقد يطلق بمعنى مطلق الميل والمحبة، فيشمل الميل للحق وغيره.

وبمعنى محبة الحق خاصة والانقياد إليه، ومنه ما في هذا الحديث، وقول عائشة رضي اللَّه تعالى عنها لمَّا نزل قوله تعالى: {تُرْجِى مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتَؤِىَ إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} للنبي صلى اللَّه عليه وسلم: (ما أرى ربك إلا يسارع في هواك) (٣)، وقول عمر رضي اللَّه تعالى عنه في قصة المشاورة في أُسارى بدر: (فهَوِيَ رسول اللَّه صلى اللَّه


(١) زوجه أبوه بامرأةٍ من قريش، ثم دخل عليها أبوه فقال لها: كيف وجدتِ بعلك؟ فقالت: خير الرجال، أو خير البرية من رجلٍ، لم يفتش كنفًا، ولم يعرف لنا فراشًا، فأقبل عليه والده يعظه، وقال له: زوجتك امرأةً من قريش فعضلتها، ثم انطلق إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فشكا له، فأرسل له صلى اللَّه عليه وسلم، فأتاه، فقال له: "أتصوم النهار؟ " قال: نعم؛ قال: "وتقوم الليل؟ " قال: نعم؛ فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: "لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأنام، وأمسُّ النساء، فمن رغب عن سنتي. . فليس مني" اهـ "الفتوحات" الوهبية" (ص ٢٨٦)
(٢) قوله: (بالقصر) ويجمع على أهواء، وأما الممدود. . فهو الجرم الذي بين السماء والأرض، وجمعه أهوية، وما أحسن ما قاله بعضهم: (من الكامل)
جُمع الهواء مع الهوى في مهجتي ... فتكاملت في أضلعي نارانِ
فقُصِرتُ بالممدود عن نَيْل المنى ... ومُدِدتُ بالمقصور في أكفاني
(٣) أخرجه البخاري (٤٧٨٨)، ومسلم (١٤٦٤).

<<  <   >  >>