للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عليهم من الشيطان وجنوده، وقام بهم من العوائق والموانع والأشغال الضرورية المانعة عن اكتساب شيءٍ من تلك الكمالات. . كان اكتسابهم لها مع ذلك أشق وأدخل في الإخلاص، فكانوا أفضل.

والتعلم منهم؛ لأنهم واسطةٌ في التبليغ، والعادة قاضية بأن المرسل إليه في نحو ذلك أفضل من الرسول.

والتقديم في الذكر؛ لتقدُّمهم في الوجود.

وأما قوله تعالى: {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ} الآيةَ (١). . فإن العادة في مثله وإن اقتضت الترقي من الأدنى إلى الأعلى كما في: (لا يستنكف من هذا وزير ولا سلطان). . فلا دلالة فيه؛ لأنه ردٌّ على النصارى حيث استعظموا المسيح عن العبادة؛ لإثباتهم له البُنُوَّة لكونه مجردًا لا أب له، ويحيي الموتى، ويبرئ الأكمه والأبرص، فردَّ عليهم بأنه لا يستنكف من ذلك ولا من هو أعلى منه في هذا المعنى، وهم الملائكة الذين لا أب لهم ولا أم، ويقدرون بإذن اللَّه سبحانه وتعالى على أفعالٍ أقوى وأعجب من إبراء ذينك، فالترقي والعلو إنما هو في أمر التجرد وإظهار الآثار القوية، لا في مطلق الشرف والكمال، فلا دلالة في الآية على أفضلية الملائكة.

ومعنى تفضيل البشر عليهم: أن خواصَّهم -وهم الأنبياء لا غير- أفضل من خواص الملائكة؛ وهم جبريل، وإسرافيل، وميكائيل، وعزرائيل، وحملة العرش، والمقربون، والكروبيون، والروحانيون (٢)، وخواصُّهم أفضل من عوام البشر إجماعًا، بل ضرورةً، وعوام البشر وهم الصلحاء دون الفسقة -كما قاله البيهقي وغيره- أفضل من عوامهم (٣).


(١) وسبب نزول هذه الآية: أن نصارى نجران قالوا للنبي صلى اللَّه عليه وسلم: إنك تعيب صاحبنا بقولك: إنه عبد للَّه، فأنزل اللَّه تلك الآية ردًا عليهم، وكان الأنسب للمصنف أن يذكرها جوابًا رابعًا ردًا على المعتزلة؛ لكن فصله عن الأجوبة الثلاثة لطول الكلام عليه. اهـ هامش (هـ)
(٢) قوله: (الكروبيُّون) هم ملائكة العذاب، وفي "القاموس": (الكروبيون بالراء مخففة: سادة الملائكة). وقوله: (الروحانيون) بضم الراء: هم ملائكة الرحمة، ورأيت بهامشٍ: نسبةً إلى الرَّوح التي هي الرحمة كما ورد: "الريح من روح اللَّه" أي: من رحمته، وقضيته: أنه بفتح الراء. اهـ هامش (غ)
(٣) لقد فصَّل الإمام السيوطي رحمه اللَّه تعالى هذه المسألة في كتاب "الحبائك في أخبار الملائك" (ص ٢٤٥ - ٢٤٩) أتم التفصيل، فراجعها تغنم.

<<  <   >  >>