للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(المكرَّمُ) على سائر الرسل (بالقرآن) مصدر (قرأ) إذا جمع؛ لجمعه السور المختلفة وعلوم الأولين والآخرين، وقيل: إذا أَلَّف؛ لحسن نظمه وتأليفه.

(العزيزِ) الممتنع -لرصانة مبانيه، ووصولها إلى أعلى درجات الفصاحة والبلاغة، وصحة معانيه، واشتمالها على أشتات العلوم وبدائع الحكم، وغير ذلك مما لا يحيط به إلا المتفضل بإنزاله سبحانه وتعالى- عن الطعن فيه (١)، والإزراء عليه؛ لأنه تعالى تكفَّل بحفظ عن تعنُّت المعاندين (٢)، وكيد الجاحدين، فهو كريمٌ عليه، ممتنعٌ من الشيطان وجنوده.

(المعجزةِ) وهي من حيث هي: الأمر الخارق للعادة، المقرون بالتحدي، الدالُّ على صدق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وسمي معجزةً؛ لعجز البشر عن الإتيان بمثله، فعلم أنه لا بد فيها من أن تكون خارقةً للعادة، وأن تقترن بالتحدي، وهو طلب المعارضة والمقابلة؛ وقال المحققون: هو دعوى الرسالة، وأن يأمن المتحدي من أن يعارض بمثل ما أتى به، وأن يقع ما يأتي به على وفق دعواه.

فخرج الخارقُ من غير تحدٍّ، فيسمى كرامة، والخارقُ المتقدم على التحدي كإظلال الغمام -فإنه لم يقع له صلى اللَّه عليه وسلم إلا قبل النبوة خلافًا لمن وهِمَ فيه- فيسمى إرهاصًا؛ أي: تأسيسًا للنبوة، والمتأخر عنه؛ نحو ما رُئي بعد وفاته صلى اللَّه عليه وسلم من نُطْقِ بعضِ الموتى بالشهادتين وشبهه مما تواترت به الأخبار (٣)، فيسمى كرامة، والخارقُ الذي لا تؤمن معارضته، فيسمى سحرًا (٤).


(١) قوله: (عن الطعن) متعلق بقوله: (الممتنع) إذ الأصل: (الممتنع عن الطعن فيه لرصانة مبانيه وصحة معانيه) اهـ "مدابغي"
(٢) قوله: (لأنه تعالى تكفَّل بحفظه) كان الظاهر أن يقول: (ولأنه تعالى) فيكون من عطف العلَّة على العلة؛ لما علمت من أن قوله: (لرصانة) علةٌ مقدمةٌ على المعلول، ولا يصح تعلق جر في جر بعاملٍ واحدٍ.
(٣) روى أبو نعيم في "الحلية" (٤/ ٣٦٧)، والبيهقي في"الدلائل" (٦/ ٤٥٤) -واللفظ له- عن ربعي بن حِراش قال: أُتيت فقيل لي: إن أخاك قد مات، فجئت فوجدت أخي مسجى عليه ثوب، فأنا عند رأسه أستغفر له وأترحم عليه إذ كشف الثوب عن وجهه، فقال: السلام عليك، فقلت: وعليك، فقلنا: سبحان اللَّه! أبعد الموت؟! قال: بعد الموت، إني قدمت على اللَّه عز وجل بعدكم، فتُلقيت بروح وريحان وربٍّ غير غضبان، وكساني ثيابًا خضرًا من سندس. . . إلخ، ثم قال البيهقي: (هذا إسنادٌ صحيحٌ لا يشك حديثيٌّ في صحته)، وانظر "سبل الهدى والرشاد" (١٠/ ٤٥٣).
(٤) قوله: (والخارق) أي: وخرج الخارق الذي لا تؤمن معارضته. اهـ "مدابغي"

<<  <   >  >>