للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

بن عَليّ بن أبي طَالب، الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن أبي الوفا الْقُدسِي الشَّافِعِي. ولد سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَسَبْعمائة. وَمَات سنة سِتّ وَخمسين وَثَمَانمِائَة. وَأخذ الْفِقْه والنحو عَن الشهَاب ابْن الهائم، وسلك طَرِيق التصوف على خَال وَالِده الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد بن الموله، ثمَّ على الشَّيْخ زين الدّين الحافي. قَالَ البقاعي فِي " مُعْجَمه ": وَهُوَ امثل المتصوفة فِي زَمَاننَا بأعتبار تشرعه، وَشدَّة أنقياده إِلَى الْحق، وصلابته فِي الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وعفته وَكَرمه على قلَّة ذَات يَده. قَالَ: وَكَانَ مُعظما عِنْد الْمُلُوك فَمن دونهم، وعَلى ذكره رونق وَأنس زَائِد، وَله قدرَة على إبداء مَا فِي نَفسه بِعِبَارَة حَسَنَة غالبها مسجوع. قَالَ: وَحكى لي قَالَ: كَانَ بعض الأصدقاء يُشِير عَليّ بِقِرَاءَة كتب ابْن عَرَبِيّ وَنَحْوهَا، وَبَعض يمْنَع من ذَلِك. فاستشرت الشَّيْخ يُوسُف الإِمَام الصَّفَدِي فِي ذَلِك، فَقَالَ: اعْلَم يَا وَلَدي وفقك الله تَعَالَى، إِن هَذَا الْعلم الْمَنْسُوب لِابْنِ عَرَبِيّ لَيْسَ بمخترع لَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ كَانَ ماهراً فِيهِ وَقد ادّعى أَهله أَنه لَا يُمكن مَعْرفَته إِلَّا بالكشف. فَإِن صَحَّ مدعاهم فَلَا فَائِدَة فِي تَقْرِيره، لِأَنَّهُ إِن كَانَ الْمُقَرّر والمقرر لَهُ مطلعين، فالتقرير تَحْصِيل حَاصِل، وَإِن كَانَ المطلع أَحدهمَا فتقريره لَا ينفع الآخر، وَإِلَّا فهما يخطبان خبط عشواء. فسبيل الْعَارِف عدم الْبَحْث عَن هَذَا الْعلم، وَعدم السلوك فِيمَا يُوصل إِلَى الْكَشْف عَن الْحَقَائِق، وَمَتى كشف لَهُ عَن شَيْء علمه وسعى فِي أعلا مِنْهُ. قَالَ: ثمَّ أستشرت الشَّيْخ زين الدّين الحافي بعد أَن ذكرت لَهُ كَلَام الشَّيْخ يُوسُف، فَقَالَ: كَلَام حسن، وَأَزِيدك أَن العَبْد إِذا تخلق ثمَّ تحقق، ثمَّ جذب أضمحلت ذَاته، وَذَهَبت صِفَاته، وتخلص من السوى فَعِنْدَ ذَلِك تلوح لَهُ بروق الْحق بِالْحَقِّ، فَيطلع على كل شَيْء، فَيرى الله عِنْد كل شَيْء، فيغيب بِاللَّه عَن كل شَيْء، وَلَا يرى شَيْئا سواهُ فيظن الله عين كل شَيْء وَهَذَا أول المقامات. فَإِذا ترقى عَن هَذَا الْمقَام، وأشرف عَلَيْهِ من مقَام هُوَ أَعلَى مِنْهُ، وعضده التأييد الإلهي رأى أَن الْأَشْيَاء كلهَا فيض وجوده تَعَالَى لَا عين وجوده. فالناطق حِينَئِذٍ بِمَا ظَنّه فِي أول مقَام أما محروم سَاقِط، وَأما نادم تائب، وَرَبك يخلق مَا يَشَاء ويختار.

<<  <   >  >>