لأن الأول دافع، والثاني مثبت. وقيل إن قارنه فيما عدا صورة النزاع أفاد العلية فيفيد الحكم في صورة النزاع، وقيل تكفي مقارنته له في صورة واحدة غير صورة النزاع.
(التاسع) من مسالك العلة (تنقيح المناط بأن يدل نص ظاهر على التعليل) لحكم (بوصف فيحذف خصوصه عن الاعتبار بالاجتهاد ويناط) الحكم (بالأعم) ، كما حذف أبو حنيفة ومالك من خبر الأعرابيّ الذي واقع زوجته في نهار رمضان خصوص الوقاع عن الاعتبار، وأناطا الكفارة بمطلق الإفطار. (أو) بأن (تكون) في محل الحكم (أوصاف فيحذف بعضها) عن الاعتبار بالاجتهاد (ويناط) الحكم (بباقيها) ، كما حذف الشافعي في الخبر المذكور غير الوقاع من أوصاف المحل ككون الواطىء أعرابيا، وكون الموطوءة زوجة، وكون الوطء في القبل عن الاعتبار، وأناط الكفارة بالوقاع، ولا ينافي التمثيل بالخبر لما هنا التمثيل به فيما مرّ للإيماء، لاختلاف الجهة، إذ التمثيل للإيماء بالنظر لاقتران الوصف بالحكم، ولما هنا بالنظر للاجتهاد في الحذف. (وتحقيق المناط إثبات العلة في صورة) خفى وجودها فيها. (كإثبات أن النباش) وهو من ينبش القبور ويأخذ الأكفان. (سارق) بأنه وجد منه أخذ المال خفية من حرز مثله وهو السرقة فيقطع خلافا للحنفية. (وتخريجه) أي المناط (مرّ) بيانه في مبحث المناسبة وقرنت كالأصل بين الثلاثة كعادة الجدليين ويعرف من تعاريفها الفرق بينها.
(العاشر) من مسالك العلة (إلغاء الفارق) بأن يبين عدم تأثيره في الفرق بين الأصل والفرع، فيثبت الحكم لما اشتركا فيه سواء أكان الإلغاء قطعيا كإلحاق صبّ البول في الماء الراكد بالبول فيه في الكراهة الثابتة بخبر «لا يبولنّ أحدكم في الماء الراكد» . أم ظنيا (كإلحاق الأمة بالعبد في السراية) الثابتة بخبر «من أعتق شركا له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوّم عليه قيمة عدل فأعطى شركاءه حصصهم وعتق عليه العبد وإلا فقد عتق عليه ما عتق» . فالفارق في الأول الصب من غير فرج، وفي الثاني الأنوثة، ولا تأثير لهما في منع الكراهة والسراية فتثبتان لما يشارك فيه الأصل والفرع، وإنما كان الثاني ظنيا لأنه قد يتخيل فيه احتمال اعتبار الشارع في عتق العبد استقلاله في جهاد وجمعة وغيرهما مما لا دخل للأنثى فيه، وقوله في الخبر ثمن العبد أي ثمن ما لا يملكه العتق منه. (وهو) أي إلغاء الفارق (والدوران والطرد) على القول به (ترجع) ثلاثتها (إلى ضرب شبه) للعلة لا علة حقيقة لأنها تحصل الظنّ في الجملة. ولا تعين جهة المصلحة المقصودة من شرع الحكم، لأنها لا تدرك بواحد منها بخلاف بقية المسالك.
(خاتمة) في نفي مسلكين ضعيفين. (ليس تأتي القياس بعلية وصف ولا العجز عن إفساده دليلها في الأصحّ) فيهما. وقيل نعم فيهما، أما الأول فلأن القياس مأمور به بقوله تعالى {فاعتبروا} وبتقدير علية الوصف يخرج بقياسه عن عهدة الأمر فيكون الوصف علة. قلنا إنما يتعين عليته لو لم يخرج عن عهدة الأمر إلا بقياسه وليس كذلك، وأما الثاني فكما في المعجزة فإنها إنما دلت على صدق الرسول للعجز عن معارضتها. قلنا الفرق أن العجز ثم من الخلق وهنا من الخصم.
[القوادح]
أي هذا مبحثها وهي ما يقدح في الدليل علة كان الدليل أو غيرها. (منها تخلف الحكم عن العلة المستنبطة) إن كان التخلف (بلا مانع أو فقد شرط في الأصح) ، بأن وجدت في بعض صور بدون الحكم لأنها لو كانت علة للحكم لثبت حينئذ بخلاف المنصوصة، إذ لا نقض معها كما بينته في الحاشية، وبخلاف ما إذا كان التخلف لمانع أو فقد شرط، لأن العلة عند التخلف تجامع كلاً منهما. وهذا ما اختاره ابن الحاجب وغيره من المحققين، وعليه يحمل إطلاق الشافعي القدح بالتخلف، وقيل يقدح مطلقا، ورجحه الأصل إذ لو صحت العلية مع التخلف للزم الحكم في صورة التخلف ضرورة استلزام العلة لمعلولها، وقيل لا يقدح مطلقا. وقال به أكثر الحنفية وسموه