وغيره، ويؤخذ منه تقييد الجواز السابق فيهما بما لم يؤد إلى تتبع الرخص، وقيل يجوز بناء على أنه لا يلزم التزام مذهب معين.
(مسألة) تتعلق بأصول الدين (المختار) قول الكثير (إنه يمتنع التقليد في أصول الدين) أي مسائل الاعتقاد كحدوث العالم ووجود الباري، وما يجب له ويمتنع عليه وغير ذلك مما سيأتي، فيجب النظر فيه لأن المطلوب فيه اليقين. قال تعالى لنبيه {فاعلم أنه لا إله إلا الله} وقد علم ذلك. وقال للناس {واتبعوه لعلكم تهتدون} ويقاس بالوحدانية غيرها، وقيل يجوز ولا يجب النظر اكتفاء بالعقد الجازم لأنه صلى الله عليه وسلّم كان يكتفي في الإيمان من الأعراب وليسوا أهلاً للنظر بالتلفظ بكلمتي الشهادة المنبىء عن العقد الجازم ويقاس بالإيمان غيره، وقيل لا يجوز فيحرم النظر فيه، لأنه مظنة الوقوع في الشبه والضلال لاختلاف الأذهان والأنظار، ودليلا الثاني والثالث مدفوعان بأنا لا نسلم أن الأعراب ليسوا أهلاً للنظر، ولا أن النظر مظنة للوقوع في الشبه والضلال، إذ المعتبر النظر على طريق العامة كما أجاب الأعرابي الأصمعي عن سؤاله بم عرفت ربك؟ فقال البعرة تدل على البعير، وأثر الأقدام على المسير، فسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج وبحر ذو أمواج ألا تدل على اللطيف الخبير؟ ولا يذعن أحد منهم أو من غيرهم للإيمان إلا بعد أن ينظر فيهتدى له. أما النظر على طريق المتكلمين من تحرير الأدلة وتدقيقها ودفع الشكوك والشبه عنها، ففرض كفاية في حق المتأهلين له يكفي قيام بعضهم بها أما غيرهم ممن يخشى عليه من الخوض فيه الوقوع في الشبه والضلال فليس له الخوض فيه، وهذا محمل نهي الشافعي وغيره من السلف عن الاشتغال بعلم الكلام، وهو العلم بالعقائد الدينية عن الأدلة اليقينية، والترجيح من زيادتي، بل قضية كلامه في مسألة التقليد ترجيح لزومه هنا، ثم محل الخلاف في وجوب النظر في غير معرفة الله تعالى أما النظر فيها فواجب إجماعا.
(و) المختار أنه (يصح) التقليد في ذلك (بجزم) أي معه على كلّ من الأقوال، وإن أثم بترك النظر على الأول فيصحّ إيمان المقلد، وقيل لا يصحّ بل لا بدّ لصحة الإيمان من النظر أما التقليد بلا جزم بأن كان مع احتمال شك أو وهم، فلا يصح قطعا إذ لا إيمان مع أدنى تردد فيه وعلى صحة التقليد الجازم فيما ذكر (فليجزم) أي المكلف (عقده بأن العالم) وهو ما سوى الله تعالى. (حادث) ، لأنه متغير أي يعرض له التغير كما يشاهد وكل متغير حادث (وله محدث) ضرورة أن الحادث لا بدّ له من محدث (وهو الله) أي الذات الواجب الوجود لأن مبدىء الممكنات لا بدّ أن يكون واجبا، إذ لو كان ممكنا لكان من جملة الممكنات فلم يكن مبدئا لها. (الواحد) ، إذ لو جاز كونه اثنين لجاز أن يريد أحدهما شيئا، والآخر ضدّه الذي لا ضدّ له غيره كحركة زيد وسكوته فيمتنع وقوع المرادين وعدم وقوعهما لامتناع ارتفاع الضدّين المذكورين واجتماعهما، فتعين وقوع أحدهما فيكون مريده هو الإله دون الآخر لعجزه، فلا يكون الإله إلا واحدا. (والواحد) الشيء (الذي لا ينقسم) بوجه (أو لا يشبه) بفتح الباء المشدّدة أي به ولا بغيره أي لا يكون بينه وبين غير شبه. (بوجه) وهذان التفسيران معناهما موجود فيه تعالى فتعبيري بأو أولى من تعبيره بالواو لإيهامه أنهما تفسير واحد، وموافق لقول إمام الحرمين في الإرشاد الواحد معناه المتوحد المتعالي عن الانقسام، وقيل معناه الذي لا مثل له فأفاد كلامه أنهما تفسيران لا تفسير واحد وإن تلازم معناهما هنا. (والله تعالى قديم) أي لا ابتداء لوجوده، إذ لو كان حادثا لاحتاج إلى محدث واحتاج محدثه إلى محدث وتسلسل والتسلسل محال، فالحدوث المستلزم له محال. (حقيقته) تعالى (مخالفة لسائر الحقائق. قال المحققون ليست معلومة الآن) أي في الدنيا للناس وقال كثير إنها معلومة لهم الآن لأنهم مكلفون بالعلم بوحدانيته وهو متوقف