على الأول انقباض عند إدراك ما لا يلائم، وعلى الثاني ما يحصل ما يؤلم، وعلى الثالث إدراك غير الملائم، وعلى الرابع ما يحصل عند عدم إدراك المعارف. (وما تصوّره العقل إما واجب أو ممتنع أو ممكن) لأن ذات المتصوّر إما أن تقتضي وجوده في الخارج أو عدمه أو لا تقتضي شيئا منهما بأن يوجد تارة، ويعدم أخرى. والأول الواجب، والثاني
الممتنع، والثالث الممكن، وكل منهما لا ينقلب إلى غيره لأن مقتضى الذات لازم لها لا يعقل انفكاكه عنها.
خاتمة فيما يذكر من مبادىء التصوّف
وهو تجريد القلب لله واحتقار ما سواه أي بالنسبة إلى عظمته تعالى، ويقال ترك الاختيار، ويقال الجد في السلوك إلى ملك الملوك، ويقال غير ذلك كما هو مذكور في شرحي لرسالة الإمام العارف بالله تعالى أبي القاسم القشيري، وكل منها ناظر إلى مقام قائله بحسب ما غلب عليه، فرآه الركن الأعظم فاقتصر عليه كما في خبر «الحج عرفة» . ولما كان مرجح التصوّف عمل القلب والجوارح افتتحت كالأصل بأسّ العمل فقلت
(أوّل الواجبات المعرفة) أي معرفة الله تعالى. (في الأصح) ، لأنها مبنى سائر الواجبات، إذ لا يصح بدونها واجب، بل ولا مندوب، وقيل أوّلهاالنظر المؤدي إلى المعرفة لأنه مقدمتها، وقيل أوّلها أول النظر لتوقف النظر على أوّل أجزائه، وقيل أولها القصد إلى النظر لتوقف النظر على قصده، والكل صحيح، ورجح الأول لأن المعرفة أول مقصود وما سواها مما ذكر أول وسيلة. (ومن عرف ربه) بما يعرف به من صفاته (تصوّر تبعيده) لعبده بإضلاله (وتقريبه) له بهدايته، (فخاف) من تبعيده عقابه (ورجا) بتقريبه ثوابه، (فأصغى) حينئذ (إلى الأمر والنهي) منه تعالى، (فارتكب) مأموره. (واجتنب) منهيه (فأحبه) حينئذ (مولاه فكان) ، مولاه (سمعه وبصره ويده واتخذه وليا إن سأله أعطاه وإن استعاذ به أعاذه) هذا مأخوذ من خبر البخاري «وما يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني أعطيته، وإن استعاذ بي لأعيذنه» . والمراد أنه تعالى يتولى محبوبه في جميع أحواله فحركاته وسكناته به تعالى، كما أن أبوي الطفل لمحبتهما له يتوليان جيع أحواله، فلا يأكل إلا بيد أحدهما ولا يمشي إلا برجله إلى غير ذلك. (وعليّ الهمة) بطلبه العلوّ الأُخروي (يرفع نفسه) بالمجاهدة (عن سفساف الأمور) أي دنيئها من الأخلاق المذمومة كالكبر والغضب والحقد والحسد وسوء الخلق وقلة الاحتمال. (إلى معاليها) من الأخلاق المحمودة كالتواضع والصبر وسلامة الباطن والزهد وحسن الخلق وكثرة الاحتمال، وهذا مأخوذ من خبر البيهقي والطبراني «إن الله يحب معالي الأمور ويكره سفسافها» . (ودنيء الهمة) بأن لا يرفع نفسه بالمجاهدة عن سفساف الأمور، (لا يبالي) بما تدعوه نفسه إليه من المهلكات، (فيجهل) أمر دينه (ويمرق من الدين فدونك) أيها المخاطب بعد أن عرفت حال عليّ الهمة ودنيئها، (صلاحا) لك بعملك الصالح (أو
فسادا) لك بعملك السيىء. أو سعادة) لك برضا اصلى الله عليه وسلّم عليك بإخلاصك.