(ومنه) أي القرآن (البسملة أول كل سورة في الأصح) لأنها مكتوبة كذلك بخط السور في مصاحف الصحابة مع مبالغتهم في أن لا يكتب فيها ما ليس منه، وقيل ليست منه مطلقا عند غيرنا وفي غير الفاتحة عندنا، وإنما هي في الفاتحة لابتداء الكتاب على عادة الله تعالى في كتبه، وفي غيرها للفصل بين السور وهي منه في أثناء سورة النمل إجماعا. (غير) أول سورة (براءة) أما أولها فليست البسملة من القرآن فيه جزما لنزولها بالقتال الذي لا تناسبه البسملة المناسبة للرحمة والرفق، وحيث قلنا إنها أول السور من القرآن فهي على الصحيح قرآن حكما لا قطعا بمعنى أن السورة لا تتم إلا بقراءتها أوّلها حتى لا تصح الصلاة بتركها أول الفاتحة، وإنما لم نكفر جاحدها للخلاف فيها. (لا الشاذ) وهو ما نقل قرآنا آحادا ولم يصل إلى رتبة القراءة الصحيحة الآتي بيانها كأيمانهما في قراءة والسارق والسارقة فاقطعوا أيمانهما، فإنه ليس من القرآن. (في الأصح) لأنه لم يتواتر ولا هو في معنى المتواتر، وقيل إنه منه حملاً على أنه كان متواترا في العصر الأول لعدالة ناقله. (و) القراءات (السبع) المروية عن القراء السبعة أبي عمرو ونافع وابني كثير وعامر وعاصم وحمزة والكسائي (متواترة) من النبي إلينا نقلها عنه جمع يمتنع عادة تواطؤهم على الكذب لمثلهم وهلم، والمراد كما قال الإمامان أبو شامة وابن الجزري التواتر فيما اتفقت الطرق على نقله عن السبعة دون ما اختلفت فيه بمعنى أنه نفيت نسبته إليهم في بعض الطرق (ولو فيما هو من قبيل الأداء) بأن كان هيئة للفظ يتحقق بدونها (كالمد) الزائد على المدّ الطبيعي المعروف أنواعه في محله، وكالإمالة محضة كانت أو بين بين وكتخفيف الهمزة بنقل أو إبدال أو تسهيل أو إسقاط وكالمشدّد في نحو {إياك نعبد} بزيادة على أقل التشديد من مبالغة أو توسط خلافا لابن الحاجب في إنكاره تواتر ما هو من قبيل الأداء، فقد قال عمدة القراء والمحدثين الشمس ابن الجزري
لا نعلم أحدا تقدم ابن الحاجب في ذلك. قال وقد نص أئمة الأصول على تواتر ذلك كله، وكلام الأصل يميل إليه لكنه وافق في منع الموانع ابن الحاجب على عدم تواتر المدّ أي مطلقه، وتردد في تواتر الإمالة وجزم بتواتر تخفيف الهمزة واستظهره في غير ذلك مما هو من قبيل الأداء أيضا كالمشدد في نحو {إياك نعبد} بما مرّ.
(وتحرم القراءة بالشاذ) في الصلاة وخارجها لأنه ليس بقرآن على الأصح كما مرّ، وتبطل الصلاة به إن غير معنى أو زاد حرفا أو نقصه وكان عامدا عالما بالتحريم، كما قاله النووي. (والأصح) وفاقا للقراء وجماعة من الفقهاء ومنهم البغوي (أنه) أي الشاذ (ما وراء العشر) أي السبع السابقة وقراءات يعقوب وأبي جعفر وخلف، وقيل ما وراء السبع وهو ما عليه الأصوليون وجماعة من الفقهاء، ومنهم النووي فالثلاثة الزائدة على هذا تحرم القراءة بها، وعلى الأوّل هي كالسبع يجوز القراءة بها لصدق تعريف القراءة الصحيحة الآتي عليها، ولأنها متواترة على ما قاله في منع الموانع ووافقه تلميذه الإمام ابن الجزري في موضع، وقال في آخر المقروء به عن القراء العشرة قسمان متواتر وصحيح مستفيض متلقى بالقبول، والقطع حاصل بهما إذ العدل الضابط إذا انفرد بشيء تحتمله العربية والرسم واستفاض وتلقى بالقبول قطع به وحصل به العلم، وعلى هذا فالقراءة متواترة وصحيحة وشاذة، وقد بينها ابن الجزري بأبسط مما مرّ فقال فالمتواترة ما وافقت العربية ورسم أحد المصاحف العثمانية ولو تقديرا وتواتر نقلها، ومعنى ولو تقديرا ما يحتمله الرسم كمالك يوم الدين فإنه رسم بلا ألف في جميع المصاحف فيحتمل حذف ألفه اختصارا كما فعل في مثله من اسم الفاعل كقادم وصالح، فهو موافق للرسم تقديرا، والصحيحة ما صح سنده بنقل عدل ضابط عن مثله إلى منتهاه، ووافق العربية والرسم واستفاض نقله وتلقته الأئمة بالقبول وإن لم يتواتر، فهذه كالمتواترة في جواز
القراءة والصلاة بها والقطع بأن المقروء بها قرآن، وإن لم يبلغ مبلغها والشاذة ما وراء العشرة وهو ما نقل قرآنا ولم تتلقه الأئمة بالقبول ولم يستفض أو لم يوافق الرسم، فهذا لا تجوز القراءة ولا الصلاة به، وإن صحّ سنده عن أبي الدرداء وابن مسعود وغيرهما، وقراءة بعض الصحابة بها فيما صحّ سنده كانت قبل إجماع من يعتدّ به على المنع من القراءة بالشاذ مطلقا انتهى ملخصا وعليه فظاهر أن مراده بالصحيحة قراءة الثلاثة الزائدة على السبع.
(و) الأصح (أنه) أي الشاذ (يجري مجرى) الأخبار (الآحاد) في الاحتجاج، لأنه منقول عن النبيّ ولا يلزم من انتفاء خصوص قرآنيته انتفاء عموم خبريته، وقيل لا يحتج به لأنه إنما نقل قرآنا ولم تثبت قرآنيته، وعلى الأول احتجاج كثير من أئمتنا على قطع يمين السارق بقراءة أيمانهما، وإنما لم يوجبوا التتابع في صوم كفارة اليمين بقراءة متتابعات لما صحح الدارقطني إسناده عن عائشة رضي الله عنها نزلت {فصيام ثلاثة أيام} متتابعات فسقطت متتابعات أي نسخت تلاوة وحكما، ولأن الشاذ إنما يحتج به إذا ورد لبيان حكم كما في أيمانهما بخلاف ما إذا ورد لابتداء الحكم لا يحتج به كما في متتابعات على أنه قيل إنها لم تثبت عن ابن مسعود. (و) الأصح (أنه لا يجوز ورود ما) أي لفظ (لا معنى له في الكتاب والسنة) لأنه كالهذيان فلا يليق بعاقل فكيف بالله وبرسوله، وقالت الحشوية يجوز وروده في الكتاب لوجوده فيه كالحروف المقطعة أوائل السور كطه ونون، وفي السنة بالقياس على الكتاب. وأجيب بأن الحروف المذكورة لها معان. منها أنها أسماء للسور والأكثرون على جواز أن يقال في الكتاب والسنة زائد كفوق في قوله تعالى {فإن كنّ نساء فوق اثنتين} وقوله {فاضربوا فوق الأعناق} بناء على تفسير الزائد بما لا يختلّ الكلام بدونه لا بما لا معنى له أصلاً. (و) الأصح أنه (لا) يجوز أن يرد فيهما (ما يعني به غير ظاهره) أي معناه الخفي لأنه بالنسبة إليه كالمهمل (إلا بدليل) يبين المراد منه كما في العام المخصوص، وقالت المرجئة يجوز وروده فيهما من غير دليل حيث قالوا المراد بالآيات والأخبار الظاهرة في عقاب عصاة المؤمنين الترهيب فقط بناء على معتقدهم أن المعصية لا تضرّ مع الإيمان كما أن الكفر لا تنفع معه طاعة (و) الأصح (أنه لا يبقى) فيهما (مجمل كلف بالعمل به) بناء على الأصح الآتي من وقوعه فيهما (غير مبين) أي باقيا على إجماله بأن لم يتضح المراد منه إلى وفاته صلى الله
عليه وسلّم للحاجة إلى بيانه حذرا من التكليف بما لا يطاق، بخلاف غير المكلف بالعمل به، وقيل لا يبقى كذلك مطلقا لأن الله أكمل الدين قبل وفاته لقوله {اليوم أكملت لكم دينكم} وقيل يبقى كذلك مطلقا قال تعالى في متشابه الكتاب {وما يعلم تأويله إلا الله} إذ الوقف هنا كما عليه جمهور العلماء، وإذا ثبت في الكتاب ثبت في السنة إذ لا قائل بالفرق. (و) الأصح (أن الأدلة النقلية قد تفيد اليقين بانضمام غيرها) من تواتر ومشاهدة كما في أدلة وجوب الصلاة، فإن الصحابة علموا معانيها المرادة بالقرائن المشاهدة، ونحن علمناها بواسطة نقل القرائن إلينا تواترا، وقيل تفيده مطلقا وعزي للحشوية، وقيل لا تفيده مطلقا لانتفاء العلم بالمراد منها قلنا يعلم بما ذكر آنفا.
[المنطوق والمفهوم]
أي هذا مبحثهما. (المنطوق ما) أي معنى (دلّ عليه اللفظ في محل النطق) حكما كان كتحريم التأفيف للوالدين بقوله تعالى {فلا تقل لهما أفّ} أو حكم كزيد في نحو جاء زيد بخلاف المفهوم فإن دلالة اللفظ عليه في محل السكوت لا في محل النطق كما سيأتي. (وهو) أي اللفظ الدال في محل النطق (إن أفاد ما) أي معنى (لا يحتمل) أي اللفظ (غيره) أي غير ذلك المعنى (كزيد) في نحو جاء زيد فإنه مفيد للذات المشخصة من غير احتمال لغيرها. (فنص) أي يسمى به (أو) أفاد (ما يحتمل بدله) معنى (مرجوحا كالأسد) في نحو رأيت اليوم الأسد، فإنه مفيد للحيوان المفترس محتمل للرجل الشجاع وهو معنى مرجوح لأنه معنى مجازى والأول حقيقي. (فظاهر) أي يسمى به أما المحتمل لمعنى مساوٍ للآخر كالجون في نحو ثوب زيد جون فإنه محتمل لمعنييه أي الأسود والأبيض على السواء فيسمى مجملاً وسيأتي.
واعلم أن النص يقال لما لا يحتمل تأويلاً كما هنا ولما يحتمله احتمالاً مرجوحا وهو بمعنى الظاهر، ولما دلّ على معنى كيف كان، ولدليل من كتاب أو سنة كما سيأتي في القياس. (ثم) اللفظ ينقسم باعتبار آخر إلى مركب ومفرد لأنه (إن دلّ جزؤه) الذي به تركيبه (على جزء معناه فمركب) تركيبا إسناديا كزيد قائم، أو إضافيا كغلام زيد، أو تقييديا كالحيوان الناطق. (وإلا) أي وإن لم يدل جزؤه على جزء معناه بأن لا يكون له جزء كهمزة الاستفهام أو يكون له جزء غير دال على معنى كزيد أو دال على معنى غير جزء معناه كعبد الله علما. (فمفرد) وقدم على تعريفه تعريف المركب لأن التقابل بينهما تقابل العدم والملكة والاعدام إنما تعرف بملكاتها. (ودلالته) أي اللفظ (على معناه مطابقة) وتسمى دلالة مطابقة لمطابقة أي موافقة الدال للمدلول. (وعلى جزئه) أي جزء معناه (تضمن) وتسمى دلالة تضمن لتضمن المعنى لجزئه المدلول. (و) على (لازمه) أي لازم معناه (الذهني) سواء ألزمه في الخارج أيضا أم لا (التزام) وتسمى دلالة التزام لالتزام المعنى أي استلزامه للمدلول كدلالة الإنسان على الحيوان الناطق في الأول، وعلى الحيوان أو الناطق في الثاني، وعلى قابل العلم في الثالث اللازم خارجا أيضا، وكدلالة العمى أي عدم البصر عما من شأنه البصر على البصر اللازم للعمى ذهنا المنافي له خارجا لوجود كل منهما فيه بدون الآخر، ودلالة العام على بعض أفراده كجاء عبيدي مطابقة لأنه في قوّة قضايا بعدد أفراده، كما سيأتي ذلك في مبحث العلم فسقط ما قيل إنها خارجة عن الدلالات الثلاث، وقد أوضحت ذلك في شرح إيساغوجي، والدلالة كون الشيء بحالة يلزم من العلم به العلم بآخر وخرج بإضافتها للفظ الدلالة الفعلية كدلالة الخط والإشارة بزيادتي الوضعية دلالة اللفظ العقلية غير الالتزامية كدلالته على حياة لافظه والطبيعية كدلالة الأنين على الوجع.
(والأوليان) أي دلالتا المطابقة والتضمن (لفظيتان) لأنهما بمحض اللفظ ولا تغاير بينهما بالذات بل بالاعتبار، إذ الفهم فيهما واحد إن اعتبر بالنسبة إلى مجموع جزأي المركب سميت الدلالة مطابقة أو إلى كل جزء من الجزأين سميت تضمنا. (والأخيرة) أي دلالة الالتزام (عقلية) لتوقفها على انتقال الذهن من المعنى إلى لازمه وفارقت التضمينية بما مر، وبأن المدلول في التضمني داخل فيما وضع له اللفظ بخلافه في الالتزامية، وهذا ما عليه الآمد ي وابن الحاجب وغيرهما من المحققين، وجرى عليه شيخنا الكمال ابن الهمام، والأصل تبع صاحب المحصول وغيره في أن المطابقة لفظية والأخريان عقليتان وتبعتهم في شرح ايساغوجي، وما هنا أقعدوا أكثر المناطقة على أن الثلاث لفظيات (ثم هي) أي الأخيرة (إن توقف صدق المنطوق أو صحته) عقلاً أو شرعا (على إضمار) أي تقدير فيما دل عليه، (فدلالة اقتضاء) أي فدلالة اللفظ الالتزامية على معنى المضمر المقصود تسمى دلالة اقتضاء في الأحوال الثلاثة، فالأول كما في الحديث الآتي في مبحث المجمل «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان» أي المؤاخذة بهما لتوقف صدقه على ذلك لوقوعهما والثاني كما في قوله تعالى {واسأل القرية} أي أهلها إذ القرية وهي الأبنية المجتمعة لا يصح سؤالها عقلاً، والثالث كما في قولك لمالك عبد أعتق عبدك عني، ففعل فإنه يصح عنك بتقدير ملكه لي فأعتقه عني لتوقف صحة العتق شرعا على الملك. (وإلا) أي وإن لم يتوقف صدق المنطوق ولا الصحة له على إضمار، (فإن دل) اللفظ المفيد له (على ما لم يقصد) به (فدلاله إشارة) أي فدلالة اللفظ على ما لم يقصد به تسمى دلالة إشارة كدلالة قوله تعالى {أحلَّ لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم} على صحة صوم من أصبح جنبا للزومها للمقصود به من جواز جماعهنَّ بالليل الصادق بآخر جزء منه. (وإلا) بأن دلّ اللفظ على ما قصد به ولم يتوقف على إضمار (فدلالة إيماء) أي فدلالة اللفظ على ذلك تسمى
دلالة إيماء وتسمى تنبيها، وسيأتي بيانه مع مثاله في القياس في الملك الثالث من مسالك العلة وذكره هنا من زيادتي وعلم من تعبيري بهي دون تعبيره بالمنطوق أن هذه الدلالات الثلاث من قسم دلالة الالتزام، إذ المنطوق ينقسم إلى صريح وغيره فالصريح دلالتا المطابقة والتضمن وغيره دلالة الالتزام وهي تنقسم إلى الدلالات الثلاث.
فإن قلت دلالة الإنسان على قابل العلم مثلاً من أي الدلالات؟ قلت من دلالة الإشارة فيما يظهر.
(والمفهوم ما) أي معنى (دل عليه اللفظ لا في محل النطق) من حكم ومحله معا كتحريم كذا كما سيأتي (فإن وافق) المفهوم (المنطوق) به (فموافقة) ويسمى مفهوم موافقة (ولو) كان (مساويا) للمنطوق (في الأصح ثم) هو (فحوى الخطاب) أي يسمى به (إن كان أولى) من المنطوق (ولحنه) أي لحن الخطاب (إن كان مساويا) للمنطوق والمفهوم الأولى كتحريم ضرب الوالدين الدال عليه نظرا للمعنى قوله تعالى {فلا تقل لهما أف} فهو أولى من تحريم التأفيف المنطوق لكونه أشد منه في الإيذاء والمساوي كتحريم إحراق مال اليتيم الدال عليه نظرا لمعنى آية {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما} فهو مساوٍ لتحريم الأكل لمساواة الإحراق للأكل في الإتلاف، وقيل لا يسمى المساوي بالموافقة وإن كان مثل الأولى في الاحتجاج به، وعليه فمفهوم الموافق هو الأولى ويسمى الأولى بفحوى الخطاب وبلحن الخطاب، وفحوى الكلام ما يفهم منه قطعا ولحنه معناه، ومما يطلق فيه المفهوم على محل الحكم كالمنطوق قولهم المفهوم، إما أولى من المنطوق بالحكم أو مساوٍ له فيه ومن المعنى المعلوم به موافقة المسكوت للمنطوق نشأ خلاف في أن الدلالة على الموافقة مفهومية أو قياسية أو لفظية وقد بينتها بقولي (فالدلالة) على الموافقة (مفهومية) أي بطريق الفهم من اللفظ لا في محل النطق، (على الأصح) والتصريح بهذا القول من زيادتي، وقيل قياسية أي بطريق القياس الأولى أو المساوى المسمى ذلك بالقياس الجلي كما سيأتي لصدق تعريف القياس عليه، والعلة في المثال الأول الإيذاء، وفي الثاني الإتلاف، وقيل الدلالة عليه لفظية لفهمه من اللفظ من غير اعتبار قياس، لكن لا بمجرد اللفظ بل مع السياق والقرائن فتكون الدلالة عليه مجازية من إطلاق الأخص على الأعم، فالمراد من منع التأفيف منع ازيذاء ومن منع أكل مال اليتيم منع إتلافه، وقيل لفظية لكن ينقل اللفظ عرفا إلى الأعم، فتكون الدلالة عليه حقيقة عرفية، وعلى هذين القولين تحريم
ضرب الوالدين وتحريم إحراق مال اليتيم من المنطوق، وإن كانا بقرينة على الأول منهما. (وإن خالفه) أي المفهوم أي المنطوق به (فمخالفة) ويسمى مفهوم مخالفة ودليل خطاب قيل ولحن خطاب. (وشرطه) أي مفهوم المخالفة ليتحقق (أن لا يظهر لتخصيص المنطوق بالذكر فائدة غير نفي حكم غيره) أي حكم السكوت. (كأم خرج) المذكور (للغالب في الأصح) كما في قوله تعالى {وربائبكم اللاتي في حجوركم} إذ الغالب كون الربائب في حجور الأزواج أي تربيتهم، وقيل لا يشترط انتفاء موافقة الغالب لأن المفهوم من مقتضيات اللفظ فلا يسقطه موافقة الغالب وهو مندفع بما يأتي. (أو لخوف تهمة) من ذكر المسكوت كقول قريب عهد بالإسلام لعبده بحضور المسلمين تصدق بهذا على المسلمين، ويريد وغيرهم وتركه خوفا من تهمته بالنفاق. (أو لموافقة الواقع) ، كما في قوله تعالى؛ {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين} نزل في قوم من المؤمنين والو اليهود دون المؤمنين. (أو) لجواب (سؤال) عن المذكور. (أو لـ) ـبيان حكم (حادثة) تتعلق به، (أو لجهل بخكمه) دون حكم المسكوت، (أو عكسه) أي أو لجهل بحكم المسكوت دون حكم المنطوق، وذلك كما لو سئل رسول الله صلى الله عليه وسلّم هل في النعم السائمة زكاة، أو قبل بحضرته لفلان غنم سائمة أو خاطب من جهل حكم الغنم السائمة دون المعلوفة، أو كان هو عالما بحكم السائمة دون المعلوفة، فقال «في الغنم السمائمة زكاة» . وإنما لم يجعلوا جواب المسؤول والحادثة صارفين للعام عن عمومه كنظيره هنا لقوة اللفظ فيه بالنسبة إلى مفهوم المخالفة حتى عزى إلى الشافعي والحنفية أن دلالة العام على كل فرد من أفراده قطعية، وإنما اشترطوا للمفهوم انتفاء المذكورات لأنها فوائد ظاهرة وهو فائدة خفية فأخر عنها، وبذلك اندفع توجيه الوجه السابق والمقصود مما مر أنه لا مفهوم للمذكور في الأمثلة المذكورة ونحوها، ويعلم حكم المسكوت فيها من خارج بالمخالفة كما في الغنم
المعلوفة لما سيأتي، أو بالموافقة كما في آية الربيبة للمعنى، وهو أن الربيبة حرمت لئلا يقع بينها وبين أمها التباغض لو أبيحت نظرا للعادة في مثل ذلك، سواء أكانت في حجر اتلزوج أم لا وتقدّم خلاف في أن الدلالة في مفهوم الموافقة على حكم المسكوت قياسية أو لا. وقد حكيته هنا مع ما يترتب عليه بقولي (ولا يمنع) ما يقتضي تخصيص المذكور بالذكر (قياس المسكوت بالمنطوق) ، بأن كان بينهما علة جامعة لعدم معارضته له، (فلا يعمه) أي المسكوت المشتمل عى العلة (لمعروض) للمذكور من صفة أو غيرها لوجود العارض، وإنما يلحق به قياسا. (وقيل يعمه) إذ عارضه بالنسبة إلى المسكوت كأنه لم يذكر فيمتنع القياس، وإنما عبرت كالأصل بالمعروض أي اللفظ دون الموصوف لئلا يتوهم، كما قال في منع المانع اختصاص ذلك بمفهوم الصفة وليس كذلك. (وهو) أي مفهوم المخالفة بمعنى محل الحكم (صفة) أي مفهوم صفة والمراد بها لفظ مقيد لآخر وليس بشرط ولا استثناء ولا غاية لا النعت فقط (كالغنم السائمة وسائمة الغنم) أي الصفة كالسائمة في الأوّل من في الغنم السائمة زكاة، وفي الثاني من في سائمة الغنم زكاة قدم من تأخير وكل منهما يروى حديثا. (وكالسائمة) من في السائمة زكاة (في الأصح) المعز، وللجمهور لدلالته على السوم الزائد على الذات بخلاف اللقب، وقيل ليس من الصفة، ورجحه الأصل لاختلال الكلام بدونه كاللقب ودفع بما مرّ آنفا. (والمنفي) عن محلية الزكاة (في) المثالين (الأولين معلوفة الغنم على المختار) فيهما، وهو ما رجحه الإمام الرازي وغيره.
(وفي) المثال (الثالث معلوفة النعم) من إبل وبقر وغنم، وقيل المنفي في الأولين معلوفة النعم ولم يرجح الأصل منهما شيئا، بل قال وهل المنفي غير سائمتها أو غير مطلق السوائم؟ قولان. فالترجيح في المنفي في الأوّلين مع ذكره في الثالث من زيادتي، وقد بينت ما في الثالث وما ذكرته من الجمع بين الأوّلين كالأصل هنا أولى من فرقه في منع الموانع بينهما بأن الخلاف خاص بأولهما، وبأن المنفي في الثاني سائمة غير الغنم لا غير السائمة بناء على أن الصفة فيه لفظ الغنم على وزان «مطل الغني ظلم» .
(ومنها) أي من الصفة بالمعنى السابق (العلة) نحو أعط السائل لحاجته أي المحتاج دون غيره. (والظرف) زمانا أو مكانا نحو سافر غدا أي لا في غيره، واجلس أمام فلان أي لا في غيره من بقية جهائه. (والحال) نحو أحسن إلى العبد مطيعا أي لا عاصيا. (والشرط) نحو {وإن كنّ أولات حمل فأنفقوا عليهنّ} أي فغيرهنّ لا يجب الإنفاق عليهنّ. (وكذا الغاية) في الأصح نحو {فإن طلقها فلا تحلّ له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} أي فإذا نكحته تحل للأول بشرطه، وقيل الغاية منطوق أي بالإشارة لتبادره إلى الأذهان، وأجاب الأول بأنه لا يلزم من ذلك أن يكون منطوقا. (وتقديم المعمول) بقيد زدته بقولي (غالبا) في الأصح نحو {إياك نعبد} أي لا غيرك، وقيل لا يفيد الحصر، وإنما أفاده في {إياك نعبد} للقرينة، وهي العلم بأن قائليه أي المؤمنين لا يعبدون غير ذلك. (والعدد) في الأصح نحو {فاجلدوهم ثمانين جلدة} أي لا أكثر ولا أقل، وهذا ما نقله الشيخ أبو حامد وغيره عن الشافعي وإمام الحرمين عنه وعن الجمهور، وقيل ليس منها. وعزاه النووي إلى جماهير الأصوليين، لكن تعقبه ابن الرفعة وتعجب منه مع أن ما نقله معارض بما مر عن الإمام.
(ويفيد الحصر إنما بالكسر في الأصح) لاشتمالها على نفي واستثناء تقديرا نحو {إنما إلهكم الله} أي لا غيره والإله المعبود بحق ونحو إنما زيد قائم أي لا قاعد مثلاً، وقيل ليست للحصر لأنها إنّ المؤكدة وما الزائدة الكافة فلا نفي فيها، وقيل للحصر منطوقا أي بالإشارة أما أنما بالفتح نحو {اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة} الآية فليست لحصر بناء على بقاء أن فيها على مصدريتها مع كفها بما، والمعنى اعلموا حقارة الدنيا فلا تؤثروها على الآخرة الجليلة، فبقاء أن في الآية على المصدرية كاف في حصول المقصود بها من تحقير الدنيا، وقيل للحصر كأصلها إنما بالكسر، والمراد أن الدنيا ليست إلا هذه الأمور المحقرات أي لا القرب فإنها من أمور الآخرة لظهور ثمرتها فيها بقولي من زيادتي في الأصح راجع إلى المسائل الأربع (و) نحو (ضمير الفصل) نحو فالله هو الوليّ أي فغيره ليس بوليّ أي ناصر. (و) نحو (لا وإلا الاستثنائية) نحو لا عالم إلا زيد، وما قام إلا زيد منطوقهما نفي العلم والقيام عن غير زيد ومفهومهما إثبات العلم، والقيام لزيد، ومما يفيد الحصر نحو العالم زيد وصديقي زيد، وذلك مفاد من زيادتي نحو وقد يفاد أيضا من قولي كالأصل، ومنها ورتبته قبل الشرط. (وهو) أي الأخير وهو نحو لا وإلا الاستثنائية (أعلاها) أي أنواع مفهوم المخالفة إذ قيل إنه منطوق أي صراحة لسرعة تبادره إلى الأذهان، وبه يعلم أن في كون هذا من الصفة خلافا أيضا. (فما قيل) فيه إنه (منطوق) أي إشارة كنعت وحال وظرف وعلة مناسبات (كالغاية وإنما) والعدد (فالشرط) إذ لم يقل أحد إنه منطوق. (فصفة أخرى مناسبة) للحكم لأن بعض القائلين بالشرط خالف في الصفة. (و) صفة (غير مناسبة) كالمذكورات الغير المناسبة فهو سواء. (فالعدد) لإنكار كثير له دون ما قبله كما. (فتقديم المعمول) آخر المفاهيم لأنه لا يفيد الحصر في كل صورة كما مرّ. (والمفاهيم) المخالفة (حجة لغة في الأصح) ،
لقول كثير من أئمة اللغة بها، فقال جمع منهم في خبر «مطل الغنيّ المسكوت» ظلم» إنه يدل على أن مطل غير الغني ليس بظلم وهم إنما يقولون في مثل ذلك ما يعرفونه من لسان العرب، وقيل حجة شرعا لمعرفة ذلك من موارد كلام الشارع، وقيل حجة معنى وهو أنه لو لم ينف المذكور الحكم عن المسكوت لم يكن لذكره فائدة، وأنكر بعضهم مفاهيم المخالفة كلها مطلقا، وإن قال في المسكوت بخلاف حكم المنطوق فلأمر آخر كما في انتفاء الزكاة عن المعلوفة قال الأصل عدم الزكاة وردت في السائمة فبقيت المعلوفة على الأصل، وأنكرها بعضهم في الخبر نحو في الشام الغنم السائمة، فلا ينفي المعلوفة عنها لأن الخبر له خارجي يجوز الإخبار ببعضه فلا يتعين القيد فيه للنفي بخلاف الإنشاء نحو زكوا عن الغنم السائمة، وما في معناه مما مرّ فلا خارجي له فلا فائدة للقيد فيه إلا النفي، وأنكرها بعضهم في غير الشرع من كلام المؤلفين والواقفين لغلبة الذهول عليهم بخلافه في الشرع من كلام الله تعالى ورسوله. واعتمده السبكي والبرماوي قال وهو ظاهر المذهب وأنكر بعضهم صفة لا تناسب الحكم، كأن يقول الشارع في الغنم العفر الزكاة فهي كاللقب بخلاف المناسبة كالسوم لخفة مؤنة السائمة فهي كالعلة، وظاهر أن محل العمل بمفهومات المذكورات إذا لم يعارضه معارض أقوى وإلا قدم الأقوى كخبري «إنما الربا في النسيئة» و «إنما الولاء لمن أعتق» فإنهما معارضان بالإجماع، أما مفهوم الموافقة فاتفقوا على حجيته وإن اختلفوا في طريق الدلالة عليه كما مرّ. (وليس منها) أي من المفاهيم المخالفة (اللقب) علما كان أو اسم جنس أو اسم جمع (في الأصح) كما قال به جماهير الأصوليين، وقيل منها نحو على زيد حج، أي لا على غيره، إذ لا فائدة لذكره إلا نفي الحكم عن غيره. وأجيب بأن نفي الحكم عن غيره إنما كان للقرينة وبأن فائدة ذكره استقامة الكلام، إذ بإسقاطه تختل الصفة.
(مسألة من الألطاف) جمع لطف بمعنى ملطوف أي من الأمور الملطوف بالناس بها. (حدوث الموضوعات اللغوية) بإحداث لله تعالى، وإن قيل واضعها غيره من العباد لأنه الخالق لأفعالهم وفائدتها أن يصبر كل أحد من الناس عما في نفسه مما يحتاجه لغيره ليعاونه عليه لعدم استقلاله به. (وهي) في الدلالة على ما في النفس (أفيد من الإشارة والمثال) أي الشكل لأنها تعم الموجود والمعدوم، وهما يخصان الموجود المحسوس. (وأيسر) منهما أيضا لموافقتها للأمر الطبيعي دونهما لأنها كيفيات تعرض للنفس الضروري (وهي ألفاظ) ، ولو مقدّرة أو مركبة ولو تركيبا إسناديا (دالة على معان) خرج بالألفاظ الدوال الأربع، وهي الخطوط والعقود والإشارات والنصب، وبما بعدها الألفاظ المهملة. (و) إنما (تعرف بالنقل) تواترا كالسماء والأرض والحر والبرد لمعانيها المعروفة أو آحادا كالقرء للحيض وللطهر. (وباستنباط العقل منه) أي من النقل نحو الجمع المعرف باللام عام، فإن العقل يستنبطه مما نقل أن هذا الجمع يصح الاستثناء منه بأن يضم إليه، وكل ما صح الاستثناء منه مما لا حصر فيه فهو عام للزوم تناوله للمستثنى، فعلم أنها لا تعرف بمجرد العقل، إذ لا مجال له في ذلك (ومدلول اللفظ) إما (معنى جزئي أو كلي) لأنه إن منع تصوّره من الشركة فيه كمدلول زيد فجزئي، وإن لم يمنع منها كمدلول الإنسان فكلي، (أو لفظ مفرد) إما مستعمل كمدلول الكلمة بمعنى ما صدقها كرجل وضرب وهل، أو مهمل كمدلول أسماء حروف الهجاء كحروف جلس أي جه له سه. (أو) لفظ (مركب) إما مستعمل كمدلول لفظ الخبر أي ما صدقه كقام زيد أو مهمل كمدلول لفظ الهذيان، وسيأتي ذلك في مبحث الأخبار مع زيادة وإطلاق المدلول على الماصدق كما هنا شائع، والأصل إطلاقه على المفهوم وهو ما وضع له اللفظ. (والوضع) الشامل للغوي والعرفي والشرعي (جعل اللفظ دليل المعنى) فيفهمه منه العارف لوضعه له. (وإن لم يناسبه في الأصح) لأن اللفظ علامة للمعنى
بطريق الوضع، ولأن الموضوع للضدين كالجون للأسود والأبيض لا يناسبهما، واشترط عباد الصيمري من المعتزلة مناسبته له، قال وإلا فلم اختص به، وعليه فقيل أراد أنها حاملة على الوضع على وفقها فيحتاج إليه، وقيل أراد أنها كافية في دلالة اللفظ على المعنى، فلا يحتاج إلى الوضع يدرك ذلك من خصه الله به كما في القافة ويعرفه غيره منه.
حكي أن بعضهم كان يدعي أنه يعلم المسميات من الأسماء فقيل له ما مسمى آدغاغ وهو من لغة البربر؟ فقال أجد فيه يبسا شديدا وأراه اسم الحجر وهو كذلك. قال الأصفهاني والثاني هو الصحيح عن عباد. (واللفظ) الدال على معنى ذهني خارجي أي له وجود في الذهن بالإدراك، ووجود في الخارج بالتحقق كالإنسان بخلاف المعدوم لا وجود له في الخارج كبحر من زئبق. (موضوع للمعنى الذهني على المختار) وفاقا للإمام الرازي وغيره، لأنا إذا رأينا جسما من بعيد وظنناه صخرة سميناه بها، فإذا دنونا منه وعرفنا أنه حيوان وظنناه طيرا سميناه به، فإذا دنونا منه عرفنا أنه إنسان سميناه به، فاختلف الاسم لاختلاف المعنى الذهني، وذلك يدل على أن الوضع له والجواب بأن اختلاف الاسم لذلك الظن أنه في الخارج كذلك، فالموضوع له ما في الخارج والتعبير عنه تابع لإدراك الذهن له حسبما أدركه مردود بأنه لا يلزم من كون الاختلاف لظن ما ذكر أن يكون اللفظ موضوعا للمعنى الخارجي. وقيل موضوع للمعنى الخارجي لأن به تستقرّ الأحكام ورجحه الأصل، وقيل موضوع للمعنى من حيث هو من غير تقييد بذهني أو خارجي، واختاره السبكي. قال ابنه في منع الموانع والخلاف في اسم الجنس أي في النكرة إذ المعرفة منه ما وضع للخارجي، ومنه ما وضع للذهني كما سيأتي. وهذا التقييد يؤيد ما اخترته إذ النكرة موضوعة لفرد شائع من الحقيقة وهو كلي لا يوجد مستقلاً إلا في الذهن كما أوضحته في الحاشية.
(ولا يجب) هو أولى من قوله وليس (لكل معنى لفظ بل) إنما يجب (لمعنى محتاج للفظ) إذ أنواع الروائح مع كثرتها ليس لها ألفاظ لعدم انضباطها، ويدل عليها بالتقييد كرائحة كذا، فليست محتاجة إلى الألفاظ وبل هنا انتقالية لا إبطالية. (والمحكم) من اللفظ (المتضح العنى) من نصّ أو ظاهر (والمتشابه) منه (غيره) أي غير المتضح المعنى ولو للراسخ في العلم. (في الأصح) بناء على أن الوقف في الآية المشار إليها بعد على إلا الله. (وقد يوضحه الله لبعض أصفيائه) معجزة أو كرامة، وقيل هو غير متضح المعنى لغير الراسخ في العلم بناء على أن الوقف في الآية على {والراسخون في العلم} والاصطلاح المذكور مأخوذ من قوله تعالى {منه آيات محكمات} إلى آخره. وذكر الخلاف من زيادتي وتعريفي للمتشابه بما ذكر أولى من قوله والمتشابه ما استأثر الله بعلمه لأن ذاك تعريف بالملزوم. (واللفظ الشائع) بين الخواص والعوام. (لا يجوز وضعه لمعنى خفي على العوام) لامتناع تخاطبهم بما هو خفيّ عليهم لا يدركونه وإن أدركه الخواص. (كقول مثبتي الحال) أي الواسطة بين الموجود والمعدوم كما سيأتي أواخر الكتاب. (الحركة معنى يوجب تحرك الذات) أي الجسم، فإن هذا المعنى خفيّ التعقل على العوام، فلا يكون معنى الحركة الشائعة بين الجميع ومعناها الظاهر تحرك الذات أو انتقالها.
(مسألة المختار) ما عليه الجمهور. (أن اللغات توقيفية) أي وضعها الله تعالى فعبروا عن وضعه لها بالتوقيف لإدراكه به. (علمها الله) عباده (بالوحي) إلى بعض أنبيائه وهو الظاهر لأنه المعتاد في تعليم الله. (أو بخلق أصوات) في أجسام بأن تدلّ من يسمعها من العباد عليها. (أو) خلق (علم ضروري) في بعض العباد بها واحتج للقول بالتوقيف بقوله تعالى {وعلم آدم الأسماء كلها} أي الألفاظ الشاملة للأسماء والأفعال والحروف، لأن كلاً منها اسم أي عال بمسماه إلى الذهن أو علامة عليه، وتخصيص الاسم ببعضها عرف طرأ وتعليمه تعالى دالّ على أنه الواضع دون البشر، وقيل هي اصطلاحية لا توقيفية أي وضعها البشر واحد أو أكثر وحصل عرفانها منه لغيره بالإشارة والقرينة، كالطفل، أذ يعرف لغة أبويه بهما، واحتج لهذا القول بقوله تعالى {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه} أي بلغتهم فهي سابقة على البعثة ولو كانت توقيفية والتعليم بالوحي لتأخرت عنها، وقيل القدر المحتاج إليه في التعريف بها للغير توقيفي لدعاء الحاجة إليه وغيره محتمل، وقيل القدر المحتاج إليه في التعريف اصطلاحي وغير محتمل، والحاجة إلى الأول تندفع بالاصطلاح، وتوقف كثير من العلماء عن القول بواحد من هذه الأقوال لتعارض أدلتها.
(و) المختار (أن التوقيف مظنون) لظهور دليله دون دليل الاصطلاح،