(و) الأصح (أنه يشترط سمع في نوعه) أي المجاز فلا يتجوز في نوع منه كالسبب للمسبب إلا إذا سمع من العرب صورة منه مثلاً، وقيل لا يشترط ذلك بل يكتفي بالعلاقة التي نظروا إليها فيكفي السماع في نوع لصحة التجويز في عكسه مثلاً، وخرج بنوعه شخصه فلا يشترط السماع فيه إجماعا بأن لا يستعمل إلا في الصور التي استعملته العرب فيها. (ويعرف) المجاز أي معناه أو لفظه. (بتبادر غيره) منه إلى الفهم (لولا القرينة) بخلاف الحقيقة فإنها تعرف بالتبادر بلا قرينة. (وصحة النفي) للمعنى الحقيقي في الواقع كما في قولك للبليد هذا حمار فإنه يصح نفي الحمار عنه. (وعدم لزوم الاطراد) فيما يدل عليه بأن لا يطرد كما في {واسأل القرية} أي أهلها ولا يقال واسأل البساط أي أهله أو يطرد لا لزوما كما في الأسد للرجل الشجاع فيصح في جميع جزئياته من غير لزوم لجواز أن يعبر في بعضها بالحقيقة بخلاف المعنى الحقيقي، فيلزم المراد ما يدل عليه من الحقيقة في جميع جزئياته لانتفاء التعبير الحقيقي بغيرها. (وجمعه) أي جمع اللفظ الدال عليه (على خلاف) صيغة (جمع الحقيقة) كالأمر بمعنى الفعل مجازا يجمع على أمور بخلافه بمعنى القول حقيقة، فيجمع على أوامر، كذا في الأصل وغيره، وفيه اعتراض بينته في الحاشية. (والتزام تقييده) أي اللفظ الدال عليه كجناح الذل أي لين الجانب ونار الحرب أي شدّتها بخلاف المشترك من الحقيقة، فإنه يقيد من غير التزام كالعين الجارية، وظاهر ذلك أن إطلاق الجناح على لين الجانب، والنار على الشدة مجاز إفراد، وأن الإضافة فيهما قرينة له، وأن التزامها علامة تميزه عن الحقيقة، والظاهر أنه استعارة تخييلية كأظفار المنية كما بينته في الحاشية. (وتوقفه) في إطلاق اللفظ عليه (على المسمى الآخر) الحقيقي، ويسمى هذا بالمشاكلة وهي التعبير عن الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبته تحقيقا نحو {ومكروا ومكر الله} أي جازاهم على مكرهم حيث تواطئوا على قتل عيسى
عليه الصلاة والسلام أو تقديرا نحو {أفأمنوا مكر الله} فإطلاق المكر على المجازاة على مكرهم متوقف على وجوده تحقيقا أو تقديرا. (والإطلاق) للفظ (على المستحيل) نحو {واسأل القرية} فإطلاق المسؤول عليها مستحيل، لأنها الأبنية المجتمعة، وإنما المسؤول أهلها.
(مسألة المعرّب) بتشديد الراء (لفظ غير علم استعملته العرب فيما) أي في معنى (وضع له في غير لغتهم) خرج به الحقيقة والمجاز العربيان، فإن كلاً منهما استعملته العرب فيما وضع له في لغتهم (والأصح أنه) أي المعرب (ليس في القرآن) وإلا لاشتمل على غير عربي، فلا يكون كله عربيا، وقد قال تعالى {إنا أنزلناه قرآنا عربيا} وقيل إنه فيه كاستبرق فارسية للديباج الغليظ وقسطاس رومية للميزان ومشكاة هندية أو حبشية للكوّة التي لا تنفذ. قلنا هذه الألفاظ ونحوها اتفق فيها لغة العرب ولغة غيرهم كالصابون والتنور، وأما العلم الأعجمي الذي استعملته العرب كابراهيم واسماعيل وعزرائيل فلا يسمى معرّبا، بل هو من توافق اللغتين مطلقا أو أعجمي محض إن وقع في غير القرآن فقط، وإنما منع من الصرف على الأوّل لأصالة وضعه في العجمة، وهذا ما مشى عليه الأصل هنا، وكلامه في شرح المختصر يقتضي أنه يسمى معرّبا، وبما قررته علم أن المعرب أعجمي الأصل، وقيل إن المعرب واسطة بين العجمي والعربي، ويشبه أن لا خلاف بأن يقال الأوّل نظر إلى أصله. والثاني إلى حالته الراهنة.
(مسألة اللفظ) المستعمل في معنى إما (حقيقة) فقط كالأسد للحيوان المفترس. (أو مجاز) فقط كالأسد للرجل الشجاع (أو هما) أي حقيقة ومجاز (باعتبارين) كأن وضع لغة لمعنى عام، ثم خصه الشرع أو العرف العام أو الخاص بنوع منه كالصوم في اللغة للإمساك خصه الشرع بالإمساك المعروف، والدابة في اللغة لكل ما يدب على الأرض خصها العرف العام بذات الحوافر والخاص كأهل العراق بالفرس، فاستعماله بالعام حقيقة لغوية مجاز شرعي أو عرفي، وفي الخاص بالعكس، ويمتنع