كونه حقيقة ومجازا باعتبار واحد للتنافي بين الوضع أوّلاً وثانيا (وهما) أي الحقيقة والمجاز (منتفيان) عن اللفظ (قبل الاستعمال) ، لأنه مأخوذ في أحدهما فإذا انتفى انتفيا (ثم هو) أي اللفظ (محمول على عرف المخاطب) بكسر الطاء الشارع أو أهل العرف أو اللغة. (ففي) خطاب (الشرع) المحمول عليه المعنى (الشرعي) لأنه عرف الشرع، لأن النبي صلى الله عليه وسلّم بعث لبيان الشرعيات، وإذا لم يكن معنى شرعي، أو كان وصرف عنه صارف (فـ) ـالمحمول عليه المعنى (العرفي) العام أي الذي يتعارفه جميع الناس أو الخاص بقوم لأن الظاهر إرادته لتبادره إلى الأذهان. (فـ) ـإذا لم يكن معنى عرفي أو كان وصرف عنه صارف فالمحمول عليه المعنى (اللغوي في الأصح) لتعينه حينئذ، فعلم أن ماله مع المعنى الشرعي معنى عرفي أو معنى لغوي أو هما يحمل أوّلاً على الشرعي، وأن ماله معنى عرفي ومعنى لغوي يحمل أولاً على العرفي، وقيل فيما له معنى شرعي ومعنى لغوي محمله في الاثبات الشرعي وفق ما مر، وفي النهي قيل اللفظ مجمل، إذ لا يمكن حمله على الشرعي لوجود النهي ولا على اللغوي، لأن النبي بعث لبيان الشرعيات، وقيل محمله اللغوي لتعذر الشرعي بالنهي. قلنا المراد بالشرعي ما يسمى شرعا بذلك الاسم صحيحا كان أو فاسدا. يقال صوم صحيح وصوم فاسد. (والأصح أنه إذا تعارض) في عرف (مجاز راجح وحقيقة مرجوحة) بأن غلب استعماله عليها (تساويا) لرجحان
كل منهما من وجه، وقيل الحقيقة أولى بالحمل لأصالتها، وقيل المجاز أولى لغلبته فلو حلف لا يشرب من هذا النهر ولم ينو شيئا، فالحقيقة المتعاهدة الكرع منه بفيه، والمجاز الغالب الشرب مما يغرف به منه كإناء حنث بكل منهما على الأول، كما جزم به في الروضة كأصلها إعمالاً للفظ في حقيقته ومجازه، وبالكرع دون الشرب مما يغترف به على الثاني، وبالعكس على الثالث فتعبيري بالتساوي أولى من تعبيره بالمجمل المقتضي أنه لا يحنث بواحد منهما على الأول، فإن هجرت الحقيقة قدم المجاز اتفاقا كمن حلف لا يأكل من هذه النخلة فيحنث بثمرها دون خشبها حيث لا نية، وإن تساويا قدمت الحقيقة اتفاقا كما لو كانت غالبا.
(و) الأصح (أن ثبوت حكم) بدليل كالإجماع (يمكن كونه) أي الحكم (مرادا من خطاب) له حقيقة ومجاز. (لكن) الخطاب في ذلك المراد يكون (مجازا لا يدل) ذلك الثبوت (على أنه) أي الحكم هو (المراد منه) أي من الخطاب (فيبقى الخطاب على حقيقته) لعدم الصارف عنها. وقال جماعة إنه يدل عليه فلا يبقى الخطاب على حقيقته إذ لم يظهر مستند للحكم الثابت غيره مثاله وجوب التيمم على المجامع الفاقد للماء إجماعا يمكن كونه مرادا من آية {أو لامستم النساء} على وجه المجاز في الملامسة لأنها حقيقة في الجس باليد مجاز في الجماع، فقالوا المراد الجماع فتكون الآية مستند الإجماع، إذ لا مستند غيرها، وإلا لذكر فلا تدل على أن اللمس ينقض الوضوء. قلنا يجوز أن يكون المستند غيرها، واستغنى عن ذكره بذكر الإجماع، فاللمس فيها على حقيقته فتدل على نقضه الوضوء، وإن قامت قرينة في الآية على إرادة الجماع أيضا فتدل على مسألة الإجماع أيضا، كما قال به الشافعي فيها بناء على الأصح أنه يصح أن يراد باللفظ حقيقته ومجازه معا.
(مسألة اللفظ إن استعمل في معناه الحقيقي) لا لذاته بل (للانتقال) منه (إلى لازمه فـ) ـهو (كناية) نحو زيد طويل النجاد مرادا به طويل القامة، إذ طولها لازم لطول النجاد أي حمائل السيف، قال في التلويح فيصح الكلام وإن لم يكن له نجاد، بل وإن استحال المعنى الحقيقي كما في قوله تعالى {والسموات مطويات بيمينه} وقوله {الرحمن على العرش استوى} وخرج باستعماله في معناه الحقيقي المجاز وبما بعده الحقيقة الصريحة والتعريض. (فهي) أي الكناية (حقيقة) غير صريحة كما أشعر به كلام صاحب التلخيص، وصرح به السكاكي وغيره، ومنهم السعد التفتازاني، والفرق بينها وبين الجمع بين الحقيقة والمجاز أن المعنى الحقيقي فيها لم يرد لذاته كما مر، وفي الجمع المذكور أريد لذاته، نعم قد يراد المعنى الحقيقي لذاته فيها عند السكاكي كقولك آذيتني فستعرف وأنت تريد المخاطب وغيره من المؤذين، لأن ذلك كلام دال على معنى يقصد به تهديد المخاطب بسبب الإيذاء، ويلزم منه تهديد كل مؤذ، وقد أراد به تهديدهما، ففيه أراد المعنى الحقيقي لذاته فيها، فالفرق بينها وبين الجمع بين الحقيقة،