الأصحاب في نقل المذهب في المسألتين، فمنهم من يقرّر النصين فيهما، ويفرق بينهما، ومنهم من يخرج نص كل منهما في الأخرى فيحكي في كل قولين منصوصا ومخرجا، وعلى هذا فتارة يرجح في كل منهما نصها ويفرق بينهما، وتارة يرجح في أحدهما نصها، وفي الأخرى المخرج، ويذكر ما يرجحه على نصها.
(والترجيح تقوية أحد الدليلين) بوجه من وجه الترجيح الآتي بعضها، فيكون راجحا وتعبيري بالدليلين أولى من تعبيره بالطريقين. (والعمل بالراجح واجب) . وبالمرجوح ممتنع سواء أكان الرجحان قطعيا أم ظنيا (في الأصح) . وقيل لا يجب إن كان الرجحان ظنيا فلا يعمل بواحد منهما لفقد المرجح القطعي، وقيل يخير بينهما في العمل إن كان الرجحان ظنيا. (ولا ترجيح في القطعيات) . إذ لا تعارض بينها، وإلا لاجتمع المتنافيان كما مر، وكذا لا ترجيح في القطعي مع الظني غير النقليين أخذا مما مر (والمتأخر) من النصين المتعارضين (ناسخ) للمتقدم منهما إن قبلا النسخ آيتين كانا أو خبرين أو آية وخبرا. (وإن نقل) المتأخر (بالآحاد) ، فإنه ناسخ فيعمل به لأن دوامه بأن لا يعارض مظنون، ولبعضهم احتمال بالمنع، لأن الجواز يؤدي إلى إسقاط المتواتر بالآحاد في بعض الصور. (والأصحّ أن العمل بالمتعارضين ولو من وجه) أو كان أحدهما سنة والآخر كتابا. (أولى من إلغاء أحدهما) بترجيح الآخر عليه، وقيل لا فيصار إلى الترجيح مثاله خبر «أيما إهاب دبغ فقد طهر» مع خبر «لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب» الشامل للإهاب المدبوغ وغيره، فحملناه على غير المدبوغ الخاص به عند كثير جمعا بين الدليلين، وتقدم بيان بسط الحمل في آخر مبحث التخصيص (و) الأصح (أنه لا يقدم) في ذلك (الكتاب على السنة ولا عكسه) أي ولا السنة على الكتاب، وقيل يقدم الكتاب لخبر معاذ المشتمل على أنه يقضي كتاب الله، فإن لم يجد فبسنة رسول الله ورضى رسول الله بذلك، وقيل يقدم السنة لقوله تعالى {لتبين للناس} مثاله قوله صلى الله عليه وسلّم في البحر «هو الطهور ماؤه الحل ميتته» مع قوله تعالى {قل لا أجد فيما أوحي إليّ محرما} إلى قوله {أو لحم خنزير} وكل منهما يشمل خنزير البحر، فحملنا الآية على خنزير البر المتبادر إلى الأذهان جمعا بين الدليلين. (فإن تعذر العمل) بالمتعارضين بأن لم يمكن بينهما جمع، (فإن
علم المتأخر) منهما في الواقع ولم ينس (فناسخ) للمتقدم منهما، (وإلا) أي وإن لم يعلم ذلك بأن تقارنا أو جهل التأخر أو المتأخر أو علم ونسي. (رجع إلى مرجح فإن تعذر فإن لم يتقارنا وقبلا النسخ طلب) الناظر (غيرهما) لتعذر العمل بواحد منهما، فإن لم يجد غيرهما توقف، (وإلا) بأن تقارنا ولم يقبلا النسخ (يخير) الناظر بينهما في العمل (إن تعذر الترجيح) ، فإن لم يتعذر طلب مرجحا والتقييد بقبول النسخ في صورتي جهل المتأخر ونسيانه من زيادتي.