إمام الحرمين في المكروه صريحا وفي المباح، وفعل غير المكلف لزوما، ورجحه الأصل في شرح المختصر في المكروه، وتبعه البرماوي فيه، وألحق به المباح بحثا، وقيل الحسن فعل المكلف المأذون فيه من واجب ومندوب ومباح، والقبيح ما نهى عنه شرعا ولو كان منهيا عنه بعموم النهي المستفاد من أوامر الندب كما مرّ، فيشمل الحرام والمكروه، وخلاف الأولى وهذا ما رجحه الأصل هنا فيهما ولأصحابنا فيهما عبارات أخرى. وللمعتزلة فيهما بناء على تحكيمهم العقل عبارات أيضا منها أن الحسن ما للقادر عليه العالم بحاله أن يفعله والقبيح بخلافه فيدخل فيه الحرام فقط، وفي الحسن ما سواه. ومنها أن الحسن هو الواقع على صفة توجب المدح والقبيح هو الواقع على صفة توجب الذم، فيدخل فيه الحرام فقط أيضا. وفي الحسن الواجب والمندوب، فالمكروه والمباح واسطة بين الحسن والقبيح.
(و) والأصح (أن جائز الترك) سواء كان جائز الفعل أيضا أم لا. (ليس بواجب) وإلا لامتنع تركه والفرض أنه جائز. وقال بعض الفقهاء يجب الصوم على الحائض والمريض والمسافر مع جواز تركهم له لقوله تعالى {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} وهم شهدوه ولوجوب القضاء عليهم بقدر ما فاتهم فكان المأتيّ به بدلاً عن الفائت. وأجيب بأن شهود الشهر موجب عند انتفاء العذر لا مطلقا، وبأن وجوب القضاء إنما يتوقف على سبب الوجوب هو هنا شهود الشهر، وقد وجد لا على وجوب الأداء وإلا لما وجب قضاء الظهر مثلاً على من نام جميع وقتها. وقيل يجب الصوم على المسافر دون الحائض والمريض لقدرته عليه دونهما. وقيل يجب عليه دونهما أحد الشهرين الحاضر أو آخر بعده. (والخلف لفظي) أي راجع إلى اللفظ دون المعنى لأن ترك الصوم حال العذر جائز اتفاقا والقضاء بعد زواله واجب اتفاقا. (و) الأصح (أن المندوب مأمور به) أي مسمى به حقيقة كما نص عليه الشافعي وغيره، وقيل لا. والخلاف مبني على أن أم ر حقيقة في الإيجاب كصيغة افعل أو في القدر المشترك بينه وبين الندب أي طلب الفعل، والترجيح من زيادته، وعليه جرى الآمدي، أما إنه مأمور به بمعنى أنه متعلق الأمر أي صيغة افعل فلا نزاع فيه، سواء أقلنا إنها مجاز في الندب أم حقيقة فيه كالإيجاب خلاف يأتي. (و) الأصح (أنه) أي المندوب (ليس مكلفا به كالمكروه) فالأصح أنه ليس مكلفا به، وقيل مكلف بهما كالواجب والحرام ورجحوا الأول. (بناء على أن التكليف) اصطلاحا (إلزام ما فيه كلفة) أي مشقة من فعل أو ترك. (لا طلبه) وبه فسر القاضي أبو بكر الباقلاني أي لا طلب ما فيه كلفة على وجه الإلزام أو لا. فعلى تفسير التكليف بالأوّل يدخل الواجب والحرام فقط، وعلى تفسيره بالثاني يدخل جميع الأحكام إلا المباح، لكن أدخله الأستاذ أبو إسحاق الاسفرايني من حيث وجوب اعتقاد إباحته تتميما للأقسام، وإلا فغيره مثله في ذلك وإلحاقي المكروه بالمندوب هو
الوجه لا إلحاق المباح به كما سلكه الأصل، إذ لا إلزام فيه ولا طلب فلا يتأتى فيه القول بأنه مكلف به إلا على ما سلكه الأستاذ. (و) الأصح (أن المباح ليس بجنس للواجب) بل هما نوعان لجنس وهو فعل المكلف الذي تعلق به حكم شرعي، وقيل إنه جنس له لأنه مأذون في فعله وتحته أنواع الواجب والمندوب والمخير فيه والمكروه الشامل لخلاف الأولى، واختص الواجب بفصل المنع من الترك، قلنا واختص المباح أيضا بفصل الإذن في الترك على السواء والخلف لفظي، إذ المباح بالمعنى الأول أي المأذون فيه جنس للواجب اتفاقا وبالمعنى الثاني أي المخير فيه وهو المشهور غير جنس له اتفاقا. (و) الأصح (أنه) أي المباح (في ذاته غير مأمور به) فليس بواجب ولا مندوب. وقال الكعبي إنه مأمور به أي واجب إذ ما من مباح إلا ويتحقق به ترك حرام ما، فيتحقق بالسكوت ترك القذف، وبالسكون ترك القتل، وما يتحقق بالشيء لا يتم إلا به وترك الحرام واجب، وما لا يتم الواجب إلا به واجب كما سيجيء، فالمباح واجب ويأتي ذلك في غيره