للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أولها: دقته وسلامته

ثانيها: استيفائه لشروط الجمع المتفق عليها وموافقته العرضة الأخيرة

أبرز سمات وخصائص ومزايا جمع أبي بكر-رضي الله عنه- تفصيلًا:

أولها: دقته وسلامته

فقد كان التحري والتدقيق والتثبت والاستيثاق لقرآنية كل ما يُجمع من سور القرآن وآياته وثبوت تواتره ومن الاقتصار على ما لم تنسخ تلاوته فحسب، وتجريده عن كل ما ليس بقرآن،

هو أبرز خصائص هذ الجمع، وذلك بإجماع الصحابة- رضي الله عنهم- ..

ثانيها: استيفائه لشروط الجمع المتفق عليها وموافقته العرضة الأخيرة

إن كل ما استوفت فيه شروط الجمع المتفق عليها فإنه يضم إلى صحيفة واحدة في مكان واحد وهو ما عِرِف بعد ذلك بالمصحف، وترتب آياته وسوره ترتيبًا مصحفيًا لا ترتيبًا نزوليًا، وذلك وفق العرضة الأخيرة التي أُشِيعَ أن زيد بن ثابت (١) -رضي الله عنه قد شهدها -، وذلك الجمع هو الموافق لما هو مثبت في اللوح المحفوظ.

ثبت عند البخاري وغيره عن عائشة عن فاطمة-رضي الله عنهما- أنها قالت:

"أسَرَّ إليَّ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أنَّ جبريلَ كانَ يعارضُنِي بالقرآنِ كلَّ سنةٍ وأنهُ عارضَنِي العامَ مرَّتينِ ولا أراهُ إلا حضَرَ أجَلِي". (٢) (٣)

وفي ذلك يقول أبو عبد الرحمن السُلميّ (ت: ٧٤) - رحمه الله-:

قرأ زيد بن ثابت على رَسُول اللهِ -صلى الله عليه وسلم- في العام الذي توفَّاه الله فيه مرتين، وإنَّما سمِّيَت هذه القراءة قراءة زيد بن ثابت؛ لأنه كتبها لرَسُول اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، وقرأها عليه وشهد العرضة الأخيرة، وكان يقرئ الناس بِها حتى مات، ولذلك اعتمده أبو بكر وعمر في جمعه، وولاه عثمان كتبة المصاحف. (٤)

وفي نحو ذلك يقول أبو عمرو الداني-رحمه الله- في الأرجوزة المنبهة: (٥)

وكان يعرض على جبريل … في كل عام جملة التنزيل

فكان يقريه في كل عرضة … بواحد من الحروف السبعة (٦)

حتى إذا كان بقرب الحين … عرضه عليه مرتين (٧)

ويقول القسطلاني (ت: ٩٢٣ هـ) -رحمه الله-:

"وقد كان القرآن كله مكتوبًا في عهده-صلى الله عليه وسلم-، لكن غير مجموع في موضع واحد، ولا مرتب السور". (٨)

وذلك لأن الدواعي إلى عدم جمعه في موضع واحد مفتقرة إلى ذلك، ولا توجد ضرورة ملحة إليه في ذلك الوقت.

[المبحث الثاني: بيان أن ترتيب الآيات في السور توقيفي]

وترتيب الآيات في السور أمر توقيفي لا مجال للاجتهاد فيه البتة:

قال الزركشي (ت: ٧٩٤ هـ) -رحمه الله-:

فأما الآيات في كل سورة، ووضع البسملة في أوائلها، فترتيبها توقيفي بلا شك، ولا خلاف فيه، ولهذا لا يجوز تعكيسها. (٩)

وقال السيوطي (ت: ٩١١ هـ) - رحمه الله-:

الإجماع والنصوص المترادفة على أن ترتيب الآيات


(١) وثبوت شهود زيد بن ثابت للعرضة الأخيرة محل نظر عند أهل التحقيق لضعف الروايات الواردة فيها، أما الثابت بأسانيد ثابتة صحاح فهو: شهود عبد الله بن مسعود لها، وأما شهود زيد لها فمشتهر فحسب، ومع اشتهاره فالباحث لم يقف على إسناد ثابت صحيح يُعول عليه في شهوده للعرضة الأخيرة إلا ما أشيع في مصنفات علوم القرآن وبعض كتب التفسير.
ولذا قال البغوي في " شرح السنة" (٤/ ٥٢٥) يُقال إن زيد بن ثابت شهد العرضة الأخيرة، التي بُيِّن فيها ما نُسِخ وما بَقِي. فرواها بصيغة التمريض "يُقال" ولم يصرح بشهوده لها.
وما سيُذْكَرُ من شهود زيد للعرضة الأخيرة في طيات البحث فإنما يُذْكَر تمشيًا مع ما أشيع واشتهر واستفاض لا على ما ثبت واستقر، الباحث.
(٢) - البخاري المناقب (٣٤٢٦)، مسلم فضائل الصحابة (٢٤٥٠)، الترمذي المناقب (٣٨٧٢)، ابن ماجه ما جاء في الجنائز (١٦٢١)، أحمد (٦/ ٧٧).
(٣) - البخاري، فضائل القرآن: ٦/ ١٠١، المناقب، رقم: ٣٣٥٣، مسلم، فضائل الصحابة رقم: ٢٤٥٠، أبو داود رقم: ٥٢١٧، مسند أحمد، رقم: ٢٥٢٠٩، وراجع فضائل القرآن لأبي الفضل الرازي، ص: ٥١، البرهان للزركشي: ١/ ٢٣٢، لطائف الإشارات للقسطلاني: ١/ ٢٣.
(٤) - رواه أحمد في مسنده، مسند بني هاشم (١/ ٥٩٨) ح ٣٤١٢، ورواه النسائي في السنن الكبرى كتاب فضائل القرآن (٣/ ٧)، وكتاب المناقب (٤/ ٣٦).
(٥) -عثمان بن سعيد بن عثمان، أبو عمرو الداني، القرطبي، علم من أعلام القراء، ثقة حجة في القراءات وعلومها، ولد بدانية من بلاد الأندلس في: ٣٧١ هـ، له أكثر من مائة مؤلف، أشهرها التيسير في القراءات السبع الذي نظمه الشاطبي في اللامية، توفي بدانية في ٤٤٤ هـ، معرفة القراء الكبار: ١/ ٤٠٦، غاية النهاية: ١/ ٥٠٣.
(٦) - وهذا التفصيل لا يصح وهو محل نظر عند أهل التحقيق وقد قال به غير واحد من أهل العلم غير الداني. وإذا تأملنا في زمن الاستزادة من الأحرف السبعة تحقق لدينا أن ذلك كان في المدينة قبيل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بقرابة عام أو عامين اثنين فكيف كان يعرض عليه في كل عام بحرف من الأحرف السبعة! وهي لم تنزل بعد! وهذا خلف من القول من عَلَمٍ كأبي عمرو الداني، ولكن جل من لا يسهو .. الباحث.
(٧) -الأرجوزة المنبهة لأبي عمرو الداني، البيت رقم: (٧٠ - ٧٢)، (ص: ٨٧).
(٨) يُنظر: إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري: (٧/ ٤٤٦).
(٩) - الزركشي، البرهان في علوم القرآن: (١/ ٢٥٦). البرهان في علوم القرآن المؤلف: أبو عبد الله بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي (المتوفى: ٧٩٤ هـ) المحقق: محمد أبو الفضل إبراهيم الطبعة: الأولى، ١٣٧٦ هـ - ١٩٥٧ م الناشر: دار إحياء الكتب العربية عيسى البابي الحلبي وشركائه (ثم صوَّرته دار المعرفة، بيروت، لبنان - وبنفس ترقيم الصفحات) عدد الأجزاء: ٤

<<  <   >  >>