للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الزمان.

أولًا: حفظ القرآن الكريم في السماء:

والقرآن الكريم قبل نزوله محفوظ في اللوح المحفوظ في السماء كما قال ربنا: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ. فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} (البروج: ٢١، ٢٢). فهو في اللوح المحفوظ، مصون مستور عن الأعين، لا يطلع عليه إلاّ الملائكة المقربون، ولا يمسه في السماء إلاّ الملائكة الأطهار، ولا يصل إليه شيطان، ولا يُنال منه. (١)

وقد جعله الله تعالى كتابًا معظمًا في كتاب معظم محفوظ موقر (٢)، وقد أقسم الله تعالى على ذلك في كتابه فقال سبحانه: {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ. وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ. إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ. فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ. لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ. تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الواقعة: ٧٥، ٨٠).

ثانيًا: حفظ القرآن الكريم في طريق نزوله إلى الأرض

فالذي نزل به ملك منزه مطهر أمين على وحي الله كما قال تعالى: (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) (الشعراء: ١٩٣ - ١٩٥).

فلا يستطيع شيطان الاقتراب من السماء لاستراق السمع طمعًا في الاطلاع على أخبار السماء وقت نزوله كما قال ربنا: {وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَأِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ. دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ. إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ} (الصافات: ٧ - ١٠)، والشياطين لمَّا حاولوا ذلك ما استطاعوا لأن السماء قد حفظت بحراسة مشددة من الملائكة وبالشهب الحارقة، وقد وصف الله تعالى محاولة فئة من الجنِّ ذلك في سورة "الجنِّ" في قوله سبحانه: {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيدًا وَشُهُبًا. وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدَا. وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدَا} (الجن: ٨ - ١٠)

ثالثًا: حفظ القرآن الكريم بعد نزوله على الأرض على النبي صلى الله عليه وسلم.

لقد حفظ الله عز وجل القرآن الكريم كذلك بعد أن أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم والذي قام بحقه خير قيام في حفظه وبلاغه عن ربه، وكان صلى الله عليه وسلم من شدة حرصه على حفظه وتلقيه يحرص على التعجل بتلقيه من فِي جبريل عليه السلام، فقال له ربه: (وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا) (طه: ١١٤)، ثم وعده الله تعالى بحفظه له في صدره، فطمأنه ربه بتحقيق وعده فقال له سبحانه: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ. إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ. فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ. ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} (القيامة: ١٦ - ١٩).

فكان صلى الله عليه وسلم يحرك به لسانه ويتعجل ويبادر بأخذه من فِي جبريل محرِّكًا به شفتيه حين قراءة الملك للقرآن يَخْشى أن يَتَفَلَّتَ منه، فوعده الله أن يجمعه له في


(١) الضوء المنير، لابن القيم: (٥: ٥٨٧).
(٢) - تفسير ابن كثير: (٤/ ٥٣٧). بتصرف يسير.

<<  <   >  >>