للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكذلك من السور التي نزلت جملة واحدة سورتا المعوذتين:

فعن عقبة بن عامر، قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ألم تر آيات أنزلت الليلة لم ير مثلهن قط، {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}. (١)

والخلاصة فيما سبق:

أن نزول كثير من سور قصار المفصل نزلت جملة واحدة هو أمر ثابت بأدلة صحيحة صريحة، كالفاتحة والقدر والماعون والمسد والكوثر والفيل والنصر والكافرون والإخلاص والفلق والناس. وكذا الفتح.

وأما ما ذكره بعض أهل التفسير من أن سورًا عدة قد نزلت جملة واحدة كذلك ولا سيما من الطوال، فإن أغلب تلك الأقوال محل نظر واجتهاد والخلاف فيها معلوم لأنها أقوال اجتهادية لم تنهض بها حجة واضحة من دليل صحيح صريح ثابت، ولذا لم يذكر الباحث إلا ما ثبت لديه بالدليل الصحيح الثابت الصريح.

هذا: ولابد أن يُعلم أن الأصل في القرآن الكريم أنه جُمع ورتب على أساس موافقته للعرضة الأخيرة، وقد استقرت العرضة الأخيرة لما هو مثبتٌ وموافق لما في اللوح المحفوظ كذلك.

[المبحث الثالث: عرض الأقوال الواردة في ترتيب السور مع الترجيح بينها]

يقول السيوطي- رحمه الله- في الإتقان عن الخلاف في ترتيب السور:

وأما ترتيب السور على ما هي عليه الآن في المصحف، فقد اختلف فيه أهل هذا الشأن على ثلاثة مذاهب:

المذهب الأول: وهو مذهب الجمهور الذي يرى أن ترتيب السور هو أمر توفيقي من اجتهاد الصحابة، حيث إن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فوَّضَ ذلك إلى أمته من بعده. ومن أبرز من نحا إلى هذا الرأي الإمام مالك.

المذهب الثاني: يرى أن هذا الترتيب توقيف من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وبه قالت طائفة من أهل العلم.

المذهب الثالث: يجنح إلى أن ترتيب أغلب السور كان بتوقيف من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعلم ذلك في حياته، وأن ترتيب بعض السور كان باجتهاد من الصحابة. (٢)

مر بنا آنفًا ما ذكره السيوطي من أقوال العلماء في القول بترتيب السور إجمالًا، والخلاف في هذه المسألة واسع جدًا وله أهميته الكبرى لتعلقه بأمر عظيم يتعلق بكلام الله تعالى، وقد ساق أصحاب كل قول أدلة ما يترجح لديهم القول به، ومن تكلم في هذه المسألة أئمة كبار ممن يُعتد برأيهم، والموضوع ليس بحثًا رئيسًا في موضوع بحثنا، والباحث لم يسق أدلة كل فريق لمناقشتها مخافة الإطالة في بحث هو جانبي عن موضوع البحث الرئيس، وإن كان من الأهمية الكبرى بمكان، لمكانته وقدره


(١) - أخرجه مسلم ٦ - كتاب المسافرين وقصرها ٤٦ - باب فضل قراءة المعوذتين ١/ ٥٥٨ ح رقم ٨١٤.
(٢) البرهان (١/ ٢٥٨).

<<  <   >  >>