للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والسور أيضًا، وأنه استند إلى المكتوب، والمحفوظ عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، لا فرق بين الآيات والسور في التوقيف، ولذا أمرهم-عثمان- بالنسخ منه.

القول السابع: قول أبي جعفر النحاس (ت: ٣٣٨ هـ) حيث يقول- رحمه الله-:

"إن تأليف السور على هذا الترتيب من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- (١).

القول الثامن: قول أبي الحسن ابن الحصَّار (ت: ٦٢٠ هـ) حيث يقول- رحمه الله-:

"ترتيب السور ووضع الآيات موضعها إنما كان بالوحي". (٢)

القول التاسع: قول البغوي (ت: ٥١٦ هـ) حيث يقول- رحمه الله-:

إن الصحابة- رضي الله عنهم-، جمعوا بين الدفتين القرآن الذي أنزله الله سبحانه وتعالى على رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، من غير أن زادوا فيه، أو نقصوا منه شيئًا … فكتبوه كما سمعوا من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، من غير أن قدموا شيئًا أو أخروا … فثبت أن سعي الصحابة كان في جمعه في موضع واحد، لا في ترتيبه، فإن القرآن مكتوب في اللوح المحفوظ على الترتيب الذي هو في مصاحفنا، أنزله الله تعالى جملة واحدة في شهر رمضان ليلة القدر إلى السماء الدنيا، كما قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} (البقرة: ١٨٥)، وقال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} (القدر: ١) (٣).

كلام البغوي في غاية الدقة، فهو يرى أن القرآن الذي في أيدينا ما زال كما كان في اللوح المحفوظ، فكان مرتبًا، ونزل مرتبًا إلى السماء الدنيا بكامل آياته وسوره، وأنه وإن نزل منجمًا بعد ذلك على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فقد جُمع بالوحي كما كان في اللوح المحفوظ، وكتبه الصحابة- رضي الله عنهم- على هذا الجمع الذي تعلموه من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ.

القول العاشر: قول الملا علي القاري (٤) حيث يقول- رحمه الله-:

مع أن الأصح أن ترتيب السور توقيفي أيضًا، وإن كانت مصاحفهم مختلفة في ذلك قبل العرضة الأخيرة … ومما يدل على أنه توقيفي كون الحواميم رتبت وَلَاءً، وكذلك الطواسين، ولم يرتب المسبحات وَلَاءً، بل فصل بين سورها، وكذا اختلاط المكيات بالمدنيات (٥).

وفي قول ودليل "علي القاري"، يتضح أن الترتيب وإن لم يرد فيه نص نظري لكنه كان أوكد من خلال التأمل في التطبيق العملي، الذي يوحي بما لا يدع مجالًا للشك بأن الترتيب كان توقيفيًا. وكلامه فحواه مقتبس من قول السيوطي. ولما سبق لم يتردد العلماء في ترجيح هذا الرأي القائل بالتوقيف، فقد قال أحمد بن عبد الرحمن بن محمد البنا الساعاتي: والصحيح أن ترتيب السور والآيات أمر توقيفي لا مجال للرأي فيه. (٦)

ومما نُظم وقيل في ذلك قولُ أبي الحسن بن الحصار (ت: ٦٢٠ هـ) في كتابه "الناسخ والمنسوخ ":


(١) -البرهان: الزركشي ج ١ ص ٢٥٩، والإتقان للسيوطي ط ١ ص ٦٢.
(٢) - الإتقان: السيوطي ج ١ ص ٦٢.
(٣) شرح السنة للبغوي: (٤/ ٥٢١). ويُنظر: المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود: ٥/ ٢٠٦.
(٤) - الملا على القارئ: (ت. ١٠١٤ هـ - ١٦٠٦ م)، هو الشيخ الفقيه المحدث المقرئ نور الدين أبو الحسن علي بن سلطان محمد، القارئ الهروي المكي المعروف بـ " الملّا علي القاري ". لقب بالقاري؛ لكونه عالمًا بالقراءات، والهروي: نسبة إلى مدينة هراة، من أمهات مدن خراسان، وهي ضمن جمهورية أفغانستان الحالية.
والمكي: نسبة إلى مكة أم القرى؛ لأنه رحل إليها وأخذ عن مشايخها واستوطنها حتى توفي بها.
ولد في مدينة هراة في حدود سنة ٩٣٠ هجرية، وبها نشأ، وطلب العلم، وحفظ القرآن الكريم، وجوده على شيخه المقرئ معين الدين بن الحافظ زين الدين الهروي، وتلقى مبادئ العلوم الشرعية عن شيوخ عصره.
ثم رحل إلى مكة، حيث استقر بها، ولازم بها العلماء سنوات طويلة، واستمر في التحصيل، حتى صار من العلماء المشهورين.
وكان رحمه الله حنفي المذهب، كما هو معروف من مصنفاته، وسيرة حياته، وأسهم في تحرير كثير من مسائل المذهب الحنفي، وتأييدها بالأدلة الشرعية.
وكان رحمه الله معروفًا بالتدين والتورع والتعفف، وكان يأكل من عمل يده، متقللاً من الدنيا، غلب عليه الزهد والعفاف والرضا بالكفاف.
وكان قليل الاختلاط بالناس، كثير العبادة والتقوى، وكان يكتب كل عام مصحفًا بخطه الجميل، ويهمشه بالقراءات والتفسير، فيبيعه ويكفيه قوتًا عامه كله.
وكان يرى أن التقرب إلى الحكام وقبول منحهم يضر بالإخلاص والورع.
وكان يقول: " رَحِمَ اللَّهُ وَالِدِي، كَانَ يَقُولُ لِي: مَا أُرِيدُ أَنْ تَصِيرَ مِنَ الْعُلَمَاءِ، خَشْيَةَ أَنْ تَقِفَ عَلَى بَابِ الْأُمَرَاءِ". انتهى من "مرقاة المفاتيح" (١/ ٣١١).
وللاستزادة من سيرته وأخباره يُنظر:
- الأعلام" للزركلي (٥/ ١٢ - ١٣).
- التعليق الصبيح على مشكاة المصابيح" للكاندهلوي (ص ٦).
- التعليقات السنية" للكنوي (ص ٨ - ٩).
- الملا علي القاري فهرس مؤلفاته وما كتب عنه" لمحمد عبد الرحمن الشماع.
(٥) - مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ـ علي بن (سلطان) محمد، أبو الحسن نور الدين الملا الهروي القاري: (٤/ ١٥٢٢).
(٦) - الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد: أحمد بن عبد الرحمن بن محمد البنا الساعاتي: ١٨/ ١٧٤. ويُنظر: فتح البيان في مقاصد القرآن ـ محمد صديق خان: ١/ ٣١ و ١٥، ٣٠٧. وحاشية الشهاب على تفسير البيضاوي: ١/ ٢٥. وتفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن: المقدمة: ٩٦. والتفسير من سنن سعيد بن منصور: ١/ ٢٣٩. ومرعاة المصابيح شرح مشكاة المصابيح: ٧/ ٣٣٤.

<<  <   >  >>