للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه-:

" يا أيها الناس، لا تغلوا في عثمان، ولا تقولوا له إلا خيرًا في المصاحف وإحراق المصاحف، فو الله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلا عن ملأ منا جميعًا ". (١)

وقول علي بن أبي طالب - رضي الله عنه- يدل على أنهم قد أجمعوا عليه إجماعًا سكوتيًا-رضي الله عنهم أجمعين-.

موقف ابن مسعود- رضي الله عنه-:

قال ابن كثير-رحمه الله-:

"روي عن عبدالله بن مسعود أنه غضب لما أخذ منه مصحفه فحرق، وتكلَّم في تقدُّم إسلامه على زيد بن ثابت الذي كتب المصاحف، فكتب إليه عثمان بن عفان- رضي الله عنه يدعوه إلى اتِّباع الصحابة فيما أجمعوا عليه من المصلحة في ذلك، وجمع الكلمة، وعدم الاختلاف، فأناب عبدالله بن مسعود، وأجاب إلى المتابعة، وترك المخالفة-رضي الله عنهم أجمعين-". (٢)

وكذلك إجاب ابن مسعود- رضي الله عنه- إلى المتابعة في تقديم مصحفه للحرق تعزز ما ذكرناه آنفًا من قول على بن أبي طالب- رضي الله عنه- تقوى وتؤكد وتعزز القول بالإجماع السكوتي من جهة، وتقرر الإجماع الفعلي من جهة أخرى كذلك، فرضي الله عنهم أجمعين.

وفي ذلك يقول الزرقاني- (ت: ١٣٦٧ هـ) في مناهله-وهو يستعرض أدلة القائلين بالتوقيف:

"إن ترتيب السور كلها توقيفي بتعليم الرسول- صلى الله عليه وسلم - كترتيب الآيات وأنه لم توضع سورة في مكانها إلا بأمر منه - صلى الله عليه وسلم -. واستدل أصحاب هذا الرأي بأن الصحابة أجمعوا على المصحف الذي كتب في عهد عثمان ولم يخالف منهم أحد. وإجماعهم لا يتم إلا إذا كان الترتيب الذي أجمعوا عليه عن توقيف لأنه لو كان عن اجتهاد لتمسك أصحاب المصاحف المخالفة بمخالفتهم. لكنهم لم يتمسكوا بها بل عدلوا عنها وعن ترتيبهم وعدلوا عن مصاحفهم وأحرقوها ورجعوا إلى مصحف عثمان وترتيبه جميعا. ثم ساقوا روايات لمذهبهم كأدلة يستند إليها الإجماع". (٣)

فلو سلمنا جدلاً أن ترتيب المصحف كان في أول أمره ترتيبًا اجتهاديًا لا توقيفيًا، لقلنا إن إجماع الأمة قد استقر على الترتيب المصحفي، حتى إن كُتب التفسير كلها على هذا الأمر لا نعلم منها أي مخالف عند السلف والخلف، لكن شذ عن ذلك ثلاثة نفر من المعاصرين، وسيأتي ذكرهم في المبحث القادم بإذن الله تعالى، فلا يجوز والحال كذلك خرق هذا العمل الذي أجمعت الأمة عليه، وإنما المعنى بذلك هو كتب التفسير، لأن أمر المصاحف لا يتجرأ أحدُ على مخالفته البتة إلا مما نادى بعض المستشرقين كما سيأتي بيانه.

٢ - تحزيب الصحابة-رضي الله عنهم- للقرآن

ومما استدلوا به كذلك على أن ترتيب السور توقيفي تحزيب القرآن وفي ذلك

يقول الحافظ ابن حجر (ت: ٨٥٢ هـ) -رحمه الله تعالى:

"ومما يدل على أن ترتيب


(١) المصاحف،؛ لابن أبي داود صـ ٩٦.
(٢) - البداية والنهاية؛ لابن كثير: (٧/ ٢٢٨). بتصرف يسير.
(٣) - يُنظر: مناهل العرفان: (١/ ٣٥٤)

<<  <   >  >>