وكما كان-صلى الله عليه وسلم- يقرأ في الجمعة أحيانًا بـ الجمعة في "الأولى" والغاشية في "الثانية".
خامسًا: بما أن الترتيب المصحفي قد أجمعت الأمة عليه سلفًا وخلفًا وجرى العمل عليه فلا يحق لأحد كائنًا ما كان خرق الإجماع الذي هو حجة في ذاته والحيد عنه إلى غيره من أنواع الترتيب، نزوليًا كان أو موضوعيًا أو تاريخيًا أو غير ذلك مما لم يجر عليه عمل من جمعوا القرآن في عهوده الثلاثة، ولم يجر عليه عمل أي أحد ممن اتبعوهم بإحسان، وسواء كان الترتيب المصحفي هذا ترتيبًا توقيفيًا، أم كان ترتيبًا اجتهاديًا، وذلك صيانة وحفظًا لكتاب الله تعالى من التبديل والتغيير والتحريف، ولما يترتب على ذلك من مفاسد وطوام لا تحمد عقباها، وكذلك لما قد يفتح باب التجرؤ على العبث في كتاب الله تعالى الذي (لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)(فصلت: ٤٢).
من هنا كان واجب التصدي لمثل هذا العمل وإبرازه للعباد بين الفينة والفينة انتصارًا لكتاب الله تعالى وردًا لمطاعن الطاعنين والمشككين في كتاب رب العالمين من سائر أعداء الملة والدين من الذين لا يهدأ لهم بال ولا يقر لهم قرار ولا يتوقفون عن الطعن في كتاب الله تعالى ويعملون ويسعون في ذلك ليل نهار عبر الزمان والمكان، ورد سهامهم في نحورهم لينقلبوا إلى أهلهم خاسرين ويندحروا خاسئين ويرجعوا إلى جحورهم ذليلين وينقلبوا صاغرين.
- نعم يقومون بذلك نصحًا لله تعالى ولكتابه كما قام الصديق الأول- رضي الله عنه- يوم الردة، وكما قام الإمام المبجل أحمد بن حنبل الشيباني إمام أهل السنة- رحمه الله- لكتاب الله يوم المحنة.
فكان التصدي لهؤلاء وأمثالهم وأذنابهم جميعًا من أوجب الواجبات المتحتمات على المعنين بهذا الشأن العظيم من المرابطين على ثغور الإسلام وحماته ومن الغيور على دينهم وكتاب ربهم وممن يحبون أن يشملهم وصف ربهم لهم:(والذين اتبعوهم بإحسان) فيتحقق لهم وعده في قوله تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)(التوبة: ١٠٠).
وذلك كله سعيًا في تحقيق وعد ربهم الذي لا يتخلف ولا يتأخر ولا يتبدل ولا يتغير أبدًا، الذي قال فيه سبحانه:(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)(الحجر: ١٠٩)
ما الغاية من جمع القرآن ووضعه في المصحف وهل ترتيب السور في المصحف توقيفي أو اجتهادي.؟
فكان مما أجاب عنه بعد كلام طويل-رحمه الله-: ما يلي:
" … ما أدري، لا أدري، هنا المسألة يقال فيها مسألة تعبدية لأن ترتيب القرآن ليس على حسب التاريخ، التاريخ النزولي الذي تشير إليه، هذه مسألة اختلف فيها العلماء هل