للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يحصل في المستقبل، (١) وكانت معركة اليمامة التي جرتْ أحداثها في السنة الثانية عشرة للهجرة قد استشهد فيها قريبًا من سبعين صحابيًا من كبار القراء وحفّاظ القرآن الكريم. (٢)

ولقد توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم يتم جمع القرآن الكريم في عهده في المصاحف، بل كان محفوظًا في صدور الصحابة الكرام وبعض سوره مكتوبة في الألواح وبعض الصحُف، وعندما بُويع أبو بكرٍ الصدِّيق بالخلافة صار من الضروري أن يتم جمع القرآن الكريم كلِّه في الصحف وذلك لأسباب عديدة أولُها وفاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونهاية الوحي، وكذلك بسبب وفاة الكثير من الصحابة في حروب الردة والذين كان من بينهم كثير من الحفظة لكتاب الله، وقد تنبَّه عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لذلك فاقترح على الخليفة أبي بكرٍ الصديق أمرَ جمع القرآن الكريم وبسرعة، وتدوينه في الصحف حتى لا تضيع آياتُ الذكر الحكيم بموت الحفظة، واستجاب أبو بكر الصديق لذلك بعد تردده في بداية الأمر، لأنَّه أمرٌ غير مسبوق ولم يحدث في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. (٣) - يعني جمعه بين دفتين في مصحف واحد.

ولقد "كثرة الصُّحُف التي بين أيدي الصحابة الكرام، والتي اعتزَّ كلٌّ منهم أنه كتبها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيهم مَنْ أسلم في بداية العهد المكي. ولا يُعقَل أن يكونوا كتبوها جميعًا، في عهد أبي بكر.

وبهذا يطمئن القلب أن القرآن الكريم كله كان مكتوبًا في عهده النبي الكريم، وإن كان غير مجموع في موضع واحد". (٤)

ولقد ظل القرآن الكريم على هذه الحال مفرقًا غير مجموع في مصحف واحد، إلى أن كانت خلافة أبي بكر، فواجهته أحداث جسيمة، وقامت حروب الردة، واستحرّ القتل بالقراء في وقعة اليمامة - سنة اثنتي عشرة للهجرة - التي استشهد فيها سبعون قارئًا من حفاظ القرآن. هالَ ذلك عمر بن الخطاب، وخاف أن يضيع شيء من القرآن بموت حفظته، فدخل على أبي بكر، وأشار عليه بجمع القرآن وكتابته خشية الضياع، فنفر أبو بكر من مقالته، وكَبُرَ عليه أن يفعل ما لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم، فظل عمر يراوده حتى اطمئن أبو بكر لهذا الأمر. ثم كلف أبو بكر زيد بن ثابت بتتبع الوحي وجمعه، فجمعه زيد من الرقاع والعسب واللخاف وصدور الرجال.

حرص زيد بن ثابت على التثبت مما جمعه، ولم يكتف بالحفظ دون الكتابة، وحرص على المطابقة بين ما هو محفوظ ومكتوب، وعلى أن الآية من المصدرين جميعًا. فكان ذلك أول جمع للقرآن بين دفتين في مصحف واحد. واحتفظ أبو بكر بالمصحف المجموع حتى وفاته، ثم أصبح عند حفصة بنت عمر. (٥)

ثانيًا: بيان الباعث الرئيس لجمع الصديق

إن جمع أبي بكر الصِّدِّيق للقُرْآن كان بسبب خشيته أن يذهب من القُرْآن شيء بذهاب حَمَلتِه؛ لأنه لم يكن مجموعًا في موضع واحد، فجمعه في صحائف


(١) -علي بن سليمان العبيد، جمع القرآن الكريم حفظاً وكتابة، المدينة المنورة: مجمع الملك فهد، (ص: ٣٤ - ٣٥) بتصرّف.
(٢) مناهل العرفان، للزرقاني: (١/ ٢٤٩) بتصرّف.
(٣) جمع القرآن في عهد أبي بكر، حنين شودب، موقع: موضوع، بتاريخ: ١٩/ ٥/ ٢٠١٩ م. بتصرّف.
(٤) الإصابة، ابن حجر ٢/ ٤٤٤ (٢٥٤٦).
(٥) يُنظر: جمع القرآن، الموسوعة الحرة.

<<  <   >  >>