للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحِفظ والكتابة.

ويبين السخاوي (ت: ٩٠٢ هـ) -رحمه الله- المراد بالشاهدين فيقول:

المراد بهما رجُلان عدلان يشهدان على أن ذلك المكتوب كُتب بين يدَيْ رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، ولم يعتمد زيدٌ على الحفظ وحده؛ ولذلك قال في الحديث الذي رواه البخاري: إنه لم يجد آخر سورة براءة إلا مع أبي خزيمة؛ أي: لم يجدها مكتوبة إلا مع أبي خزيمة الأنصاري، مع أن زيدًا كان يحفظها، وكان الكثير من الصحابة يحفظونها، ولكنه أراد أن يجمع بين الحفظ والكتابة، زيادةً في التوثُّق، ومبالغة في الاحتياط، وعلى هذا المنهج الرشيد تم بإشراف أبي بكر وعمر وأكابر الصحابة وإجماع الأمة عليه دون نكير، وكان ذلك منقبة خالدة لا يزال التاريخ يذكرها بالجميل لأبي بكر في الإشراف، ولعمر في الاقتراح، ولزيد في التنفيذ، وللصحابة في المعاونة والإقرار". (١)

وما ختم به السخاوي - رحمه لله- كلامه آنفًا يُكتب بماء العين.

ونختم هذا المبحث باختصار كيفية تنفيذ زيد لمهمة جمع القرآن في الفقرات التالية:

أولًا: قام الفاروق بالإعلان للناس عن إحضار ما لديهم من القرآن مكتوبًا.

ثانيًا: جلس زيد والفاروق على باب المسجد يستقبلون ما يجيء به الصحابة من القرآن. وهو مروي بسند منقطع كما أشار إلى ذلك الحافظ في الفتح.

فَيُرْوَى أن أبا بكر قال لزيد وعمر بن الخطاب:

اقعدا على باب المسجد فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه. (٢)

ثالثًا: كان يطلب من كل من جاء بشيء من القرآن إحضار شاهدين على أنه كتب هذا بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم. (٣)

رابعًا: قام زيد بكتابة القرآن من خلال مطابقة ما كتب من القرآن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم بما يحفظه الصحابة في صدورهم من القرآن.

قال زيد:

فتتبعت القرآن أجمعه من العسب، واللخاف، وصدور الرجال، حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع غيره. (٤)

أي لم يجدها مكتوبة إلا عند أبي خزيمة، وإلا فزيد وغيره من الصحابة يحفظ هذه الآيات، لكنه يريد أن تكون الآيات محفوظة ومكتوبة، وذلك لزيادة التوثيق والاحتياط.

قال الحافظ ابن حجر:

وفائدة التتبع المبالغة في الاستظهار والوقوف على عين ما كتب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم. (٥)

خامسًا: كان بداية مهمة جمع القرآن بعد معركة اليمامة في نهاية السنة ١١ للهجرة، وانتهت قبل وفاة أبي بكر في منتصف سنة ١٣ للهجرة.

سادسًا: بعد كتابة القرآن وجمعه، سُلم لأبي بكر الصديق وبقي عنده حتى وفاته، ثم بقي عند عمر حتى استشهد على يد أبي لؤلؤة المجوسي، فبقي عند أم المؤمنين حفصة بنت عمر رضي الله عنهما، ثم طلبها عثمان لينسخ منها نسخ للأمصار وأعادها لحفصة،


(١) - مناهل العرفان للزرقاني: (١/ ٢٥٣: ٢٥٢). وعزاه للسخاوي.
(٢) المصاحف لابن أبي داود صـ ١٢، وجمال القراء للسخاوي ١/ ٨٦، قال ابن حجر: ورجاله ثقات مع انقطاعه. الفتح ٩/ ١٤.، وإسناده منقطع؛ لأنَّ عروة لم يلق أبا بكر.
(٣) - مباحث في علوم القرآن، لمناع القطان: (ص: ١٣٢).
(٤) - صحيح البخاري (٤٩٨٦).
(٥) - الفتح ٩/ ١٥.

<<  <   >  >>