للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأمر الأول: أن آيات السورة مرتبة ومتتابعة من أولها وحتى آخرها.

والأمر الثاني: أن ترتيب الآيات كان مما يُعَلِّمه النبيُ ـ صلى الله عليه وسلم- أصحابهَ الكرام رضي الله عنهم.

٣ - ومنها ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي الدرداء مرفوعًا من حفظ عشر آيات من أول الكهف عصم من الدجال وفي لفظ عنده من قرأ العشر الأواخر من سورة الكهف. (١)

فقوله: (من أول الكهف) وقوله: (العشر الأواخر) واضح الدلالة على ترتيب آيات السورة كما هو شأن آيات القرآن قاطبة.

وكذلك" قراءته صلى الله عليه وسلم للسور المختلفة بمشهد من الصحابة يدلّ على أن ترتيب آياتها توقيفي وما كان الصحابة ليرتبوا ترتيبًا سمعوا النبي- صلى الله عليه وسلم- يقرأ على خلافة فبلغ ذلك مبلغ التواتر. " (٢)

٤ - ومنها ما ثبت عند البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها، (أنها) قالت: سمع النبيُ ـ صلى الله عليه وسلم ـ رجلاً يقرأ في المسجد، فقال: "رحمه الله، لقد أَذْكَرَنِي كذا وكذا آية، أَسْقَطْتُهُنَّ من سورة كذا، وكذا" (٣).

فهذا الحديث وأضرابه مما يُستدل به على تعليمه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أصحابه- رضوان الله عليهم- أماكن الآيات وترتيبها في السور وأنه أمر توقيفي لا محيد عنه ولا محيص.

وهناك أدلة كثيرة جدًا تقرر هذه المسألة، فسماع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ للقرآن من أصحابه مرتب الآيات وإقراره ـ صلى الله عليه وسلم ـ لقراءتهم، وكذلك صلاته بهم على مدار مرحلة نزول القرآن في ثلاث وعشرين سنة وقد تكرر ذلك تكرارًا ومرارًا وهو معلوم في دواوين السنة، ففي الإشارة إليه غنية وكفاية.

ومن أراد زيادة فائدة في هذا الباب فليراجع فضائل قراءة بعض آيات من القرآن بعينها في مظانها من كتب السنة كفضل فاتحة الكتاب وهي أكثر من أن تحصى، وكفضائل الآيتين الآخرتين من سورة البقرة (٤)، وكفضل العشر آيات الأُول من سورة الكهف (٥) وكذلك ما واظب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على قراءته لبعض سور القرآن ولم يغير في آياتها أي شيء، لا بتقديم ولا بتأخير، وذلك كقراءته لسور البقرة، والنساء، وآل عمران، وقراءته، لسورة "ق" في العيد. (٦) وكذلك من فوق المنبر وفي الصلاة كذلك، كما كان يقرأ بـ"المنافقون" في الجمعة (٧).

والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع مواظبته على قراءة هذه السور والآيات فقد واظب ـ صلى الله عليه وسلم- كذلك على ترتيبها، فإنه لا يُعلم عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه غيَّر شيئًا منها البتة.

ولا ريب أن فعله ـ صلى الله عليه وسلم ـ هذا من أوضح البراهين على أن هذا الترتيب هو ما وافق ترتيبه في اللوح المحفوظ والذي تلقاه عن جبريل-عليه السلام-.


(١) - رواه مسلم برقم (٨٠٩).
(٢) - يُنظر: الإتقان: (١/ ٦٢ ـ ٦٥).
(٣) أخرجه البخاري كتاب فضائل القرآن باب من لم ير بأسًا أن يقول: سورة البقرة، وسورة كذا وكذا ٦/ ١٩٤ ح رقم ٥٠٤٢ ومسلم ٣٣ كتاب صلاة المسافرين ٣٣ - باب الأمر بتعهد القرآن، وكراهة قول نسيت آية كذا، وجواز قول أنسيتها ١/ ٥٤٣ ح رقم ٧٨٨.
(٤) يُنظر: مسلم في صحيحه برقم: ٨٠٩، وغيرهم.
(٥) يُنظر: البخاري في صحيحه برقم: (٥٠٠٨ - ٥٠٠٩ - ٥٠٤٠)، ومسلم برقم: (٨٠٧).
(٦) - رواه مسلم برقم: (٨٩١)، وغيره.
(٧) - يُنظر: مسلم برقم: (٨٧٧)، وغيره من حديث أبي هريرة.

<<  <   >  >>