للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إليه الإمام عليه السلام، ويكفي القارئ مؤنة تلك الاختلافات وتدوينها، ويعرف كيفية نزوله ويوفقه على أسباب تنزيله ويذيقه لذة معانيه وطعم اختصار مبانيه بصورة سهلة ميسرة، خالية عن الرد والبدل، سالمة من الطعن والعلل، مصونة من الخطأ والزلل، فعنّ لي القيام بذلك، إذ لا مانع شرعي يحول دون ما هنالك، وأراني بهذا متبعًا لا مبتدعًا، مؤملًا أن يكون عملي هذا سنّة حسنة … مبينًا أوَّل ما نزل إلى الفترة والفترة، وسببها ومدتها وأول ما نزل بعدها، وسبب وتاريخ كل منها، ومكانه وزمانه وقصصه وأخباره وأمثاله وأحكامه، والآيات المكررة وسبب التكرار، ونظائرها مما يناسبها باللفظ والمعنى، والكلمات التي لم تكرر فيه، (عدا ما كان بين سورة (ق) إلى (الحديد) وجزئي (تبارك) و (عم) لأن كثيرًا من كلماتها، لم تكرر لما هي عليه من السجع العجيب واللفظ الغريب. وما هو موافق لشرع من قبلنا منه … وخلاصة القصص المعقولة والغزوات المرموقة ". (١).

ومما يرد قوله بـ " أن عثمان لم يأخذ رأي علي والأصحاب"

قول علي بن أبي طالب-رضي الله عنه- نفسه:

"يا أيها الناس، لا تغلوا في عثمان، ولا تقولوا له إلا خيرًا في المصاحف وإحراق المصاحف، فو الله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلا عن ملأ منا جميعًا". (٢)

وقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه يدل على أنهم قد أجمعوا عليه إجماعًا سكوتيًا-رضي الله عنهم أجمعين.

كما يرد قوله كذلك موقف ابن مسعود رضي الله عنه:

قال ابن كثير رحمه الله:

"روي عن عبدالله بن مسعود أنه غضب لما أخذ منه مصحفه فحرق، وتكلَّم في تقدُّم إسلامه على زيد بن ثابت الذي كتب المصاحف، فكتب إليه عثمان بن عفان رضي الله عنه يدعوه إلى اتِّباع الصحابة فيما أجمعوا عليه من المصلحة في ذلك، وجمع الكلمة، وعدم الاختلاف، فأناب عبدالله بن مسعود، وأجاب إلى المتابعة، وترك المخالفة-رضي الله عنهم أجمعين-". (٣)

وكذلك إجاب ابن مسعود-رضي الله عنه- إلى المتابعة في تقديم مصحفه للحرق تعزز ما ذكرناه آنفًا من قول على بن أبي طالب-رضي الله عنه- تقوى وتؤكد وتعزز القول بالإجماع السكوتي من جهة، وتقرر الإجماع الفعلي من جهة أخرى كذلك، فرضي الله عنهم أجمعين.

والإشكال هنا أن الشيخ "حويش" ممن يرى أن ترتيب السور توقيفي، ولو قلنا أن عليًا أو غيره من الصحابة - رضي الله عنهم أجمعين- قد رتب مصحفه ترتيبًا نزوليًا، فالرد على ذلك يكون من جهتين:

الجهة الأولى: أن ذلك كان أول الأمر قبل الجمع البكري ثم الجمع العثماني

الجهة الثانية: ولو كتب أيّ منهم مصحفًا خاص به لأي سبب من الأسباب فهل يُعمم ذلك المصحف ويترك المصحف الإمام الذي أجمع عليه الصحابة كلهم بما فيهم


(١) - يُنظر: مقدمة تفسير بيان المعاني ١/ ٤.
(٢) المصاحف،؛ لابن أبي داود صـ ٩٦.
(٣) -البداية والنهاية؛ لابن كثير: (٧/ ٢٢٨). وقد سبق تخريجه. بتصرف يسير.

<<  <   >  >>