للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أن المنع يثبت فيما فيها لو كان هذا الصنيع سلوكًا من أجل أن يكون هذا الترتيب مصحفا للتلاوة … ويستأنس لسواغية هذه الطريقة بما سلكه أَجِلَّةٌ من علماء الأمة المشهود لهم بالإمامة والقدوة من المتقدمين في تآليفهم، ولم يعلم أن أحدًا أنكر عليهم ما صنعوا". (١)

وكان يُتَحَتَم لزامًا على أبي غدة بيان من ذكرهم ممن سبق لهذا العمل من العلماء.

أما " دروزة " فقال:

ويحضرني منهم الآن الإمام ابن قتيبة المتوفى سنة ٢٧٦ من الهجرة، فقد مشى في تفسير ما فسره في كتابه المطبوع "تأويل مشكل القرآن" على غير ترتيب النزول وعلى غير الترتيب المتلو الآن، ولا أشك أن هناك غيره من شاركه في هذه الطريقة من علماء عصره وما بعده، ممن لا يسعني الآن البحث عنهم، لضيق الوقت لدي. (٢).

الداعي عند" دروزة" وعند ابن قتيبة لا يتفقان:

فإن كتاب (تأويل مشكل القرآن) لابن قتيبة يُعد من أنفس ما كُتِبَ في الرد على الملحدين والزنادقة الذين طعنوا في القرآن ووصفوه بأنه يشتمل على أشياء مشكلة. وقد انبرى ابن قتيبة لعرض شبهاتهم ومطاعنهم ورد عليها ردًا علميًا مؤصلًا مقرونًا ببراهين ساطعات قاطعات وحجج وبراهين دامغات مقرونة بأدلة نقلية وعقلية مفحمة مسكتة، فكان الدافع والباعث له على تصنيف كتابه هذا هو الذب عن حياض الكتاب العزيز.

و" لقد وضع ابن قتيبة كتابه "تأويل مشكل القرآن" للدفاع عن حمى القرآن الكريم ضد الشكوك التي تثار حوله، والمطاعن التي تسدد نحوه، وانتدب نفسه لدرئها، وتبيان اعوجاجها، ورد كيدها إلى نحر أصحابها، خشية أن يغتر بها الأغمار والأحداث، أو يفتتن بها خفاف العقول وضعاف الإيمان، وقد أعانه على الرد المفحم والجواب المحكم امتلاكه لزمام البيان المشرق الرصين، واقتداره على النقد العلمي المتين.

ويذكر ابن قتيبة الباعث على تأليف هذا الكتاب في مقدمته فيقول:

" قد اعترض كتابَ الله بالطعن ملحدون، ولغوا فيه وهجروا، واتبعوا ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ بأفهام كليلة، وأبصار عليلة، ونظر مدخول، فحرّفوا الكلام عن مواضعه، وعدلوه عن سبله، ثم قضوا عليه بالتناقض، والاستحالة في اللحن، وفساد النظم، والاختلاف، وأدلوا في ذلك بعلل ربما أمالت الضعيف الغمر، والحدث الغر، واعترضت بالشبه في القلوب، وقدحت بالشكوك في الصدور … فأحببت أن أنضح عن كتاب الله، وأرمي من ورائه بالحجج النيرة، والبراهين البينة، وأكشف للناس ما يلبسون، فألّفت هذا الكتاب جامعًا لتأويل مشكل القرآن، مستنبطًا ذلك من التفسير بزيادة في الشرح والإيضاح، وحاملًا ما أعلم فيه مقالًا لإمام مطلع على لغات العرب، لأري المعاند موضع المجاز، وطريق


(١) - محمد عزت دروزة، مقدمة التفسير: (ص: ٧١١). التفسير الحديث [مرتب حسب ترتيب النزول] المؤلف: دروزة محمد عزت الناشر: دار إحياء الكتب العربية - القاهرة الطبعة: ١٣٨٣ هـ.
(٢) -المرجع السابق: (١١/ ١).

<<  <   >  >>