للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أخي المسلم:

النعم ثلاثة: نعمة حاصلة يعلم بها العبد, ونعمة منتظرة يرجوها, ونعمة هو فيها لا يشعر بها, فإذا أراد الله إتمام نعمته على عبده عرَّفه نعمته الحاضرة وأعطاه من شكره قيداً يقيدها به حتى لا تشرد, فإنها تشرد بالمعصية وتقيد بالشكر, ووفَّقه لعمل يستجلب به النعمة المنتظرة, وبصَّره بالطرق التي تسدها وتقطع طريقها ووفقه لاجتنابها. وإذا بها قد وافت إليه على أتم الوجوه, وعرَّفه النعم التي هو فيها ولا يشعر بها.

ويُحكى أن أعرابياً دخل على الرشيد, فقال: يا أمير المؤمنين, ثبَّت الله عليك النعم التي أنت فيها, بإدامة شكرها, وحقق لك النعم التي ترجوها بحسن الظن به وداوم طاعته, وعرفك النعم التي أنت فيها ولا تعرفها لتشكرها. فأعجبه ذلك منه وقال: ما أحسن تقسيمه (١).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وأما نعمة السراء فتحتاج إلى الصبر على الطاعة فيها, فإن فتنة السراء أعظم من فتنة الضراء.

ثم قال رحمه الله: والفقر يصلح عليه خلق كثير, والغنى لا يصلح عليه إلا أقل منهم, ولهذا كان أكثر من يدخل الجنة المساكين, لأن فتنة الفقر أهون, وكلاهما يحتاج إلى الصبر والشكر, لكن لما كان في السراء اللذة, وفي الضراء الألم اشتهر ذكر الشكر


(١) الفوائد, ص ٢٢٤.

<<  <   >  >>