للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

جيفة بالليل بطَّال بالنهار (١).

وقد يظن بعض الناس أن هذه الأقوال دعوة إلى ترك الأكل الحلال وصرف النفس عنه! !

لكن يبين لنا يحيى بن معاذ توضيح ذلك كله فيقول وهو يحدث أصحابه: لست آمركم بترك الدنيا, آمركم بترك الذنوب, ترك الدنيا فضيلة, وترك الذنوب فريضة, وأنتم إلى إقامة الفريضة أحوج منكم إلى الحسنات والفضائل.

قال إبراهيم بن أدهم: ما أدرك من أدرك إلا من كان يعقل ما يدخل جوفه (٢).

أخي المسلم:

والدنيا أعيان موجودة, للإنسان فيها حظ وهى الأرض وما عليها, فإن الأرض سكن الآدمي, وما عليها ملبس ومطعم ومركب, وكل ذلك علف لراحلة بدنه السائر إلى الله عز وجل, فإنه لا يبقى إلا بهذه المصالح, كما لا تبقى الناقة في طريق الحج إلا بما يصلحها, فمن تناول منها ما يصلحه على الوجه المأمور يُمدح, ومن أخذ منها فوق الحاجة يكتنفه الشره ووقع في الذم, فإنه ليس للشره في تناول الدنيا وجه, لأنه يخرج عن النفع إلى الأذى, ويشغل عن طلب الآخرة فيفوت المقصود, ويصير بمثابة من أقبل يعلف


(١) الزهد للإمام أحمد, ص ٢٥٥.
(٢) الإحياء ٢/ ١٠٣.

<<  <   >  >>