قال الإمام الشافعي: ما شبعت منذ ست عشرة سنة؛ لأن الشبع يثقل البدن, ويقسي القلب, ويزيل الفطنة, ويجلب النوم, ويضعف صاحبه عن العبادة (١).
وللإسلام شرائع وآداب عظيمة في جميع حياة المسلم فمن ذلك حال الإنسان في مأكله ومشربه, فإن الداعي إلى ذلك شيئان: حاجة ماسة, وشهوة باعثة.
فأما الحاجة فتدعو إلى ما سد الجوع, وسكن الظمأ؛ وهذا مندوب إليه عقلاً وشرعاً لما فيه من حفظ النفس وحراسة الجسد, ولذلك ورد الشرع بالنهي عن الوصال بين صوم اليومين, لأنه يضعف الجسد, ويميت النفس, ويُعجز عن العبادة, وكل ذلك يمنع منه الشرع, ويدفع عنه العقل, وليس لمن منع نفسه قدر الحاجة حظ من بر, ولا نصيب من زهد, لأن ما حرمها من فعل الطاعات بالعجز والضعف أكثر ثواباً وأعظم أجراً, إذ ليس في ترك المباح ثواب يقابل فعل الطاعات وإتيان القرب, ومن أخسر نفسه ربحاً موفوراً أو حرمها أجراً مذخوراً كان زهده في الخير أقوى من رغبته, ولم يبق عليه من هذا التكليف إلا الشهوة بريائه وسمعته.
وأما الشهوة فتتنوع نوعين: شهوة في الإكثار والزيادة, وشهوة في تناول الألوان اللذيذة.
فأما النوع الأول: وهو شهوة الزيادة على قدر الحاجة,
(١) جامع العلوم والحكم, ص ٥١٨.