للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حضرنا مجلس معاوية بن أبي سفيان فتذاكر القوم إسماعيل وإسحاق ابني إبراهيم -عليهم الصلاة والسلام- فقال بعضهم: الذبيح إسماعيل وقال بعضهم: بل إسحاق، فقال معاوية: سقطتم على الخبير, كنا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال أعرابي يشكو جدب أرضه: يا رسول الله خلفت البلاد يابسة والماء يابسًا هلك المال وضاع العيال, فعد علي مما أفاء الله عليك يا ابن الذبيحين, فتبسم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم ينكر عليه، فقلنا لمعاوية من الذبيحان يا أمير المؤمنين؟ فقال: إن عبد المطلب لما أمر بحفر زمزم نذر لله إن سهل له أمرها أن ينحر بعض ولده, فأخرجهم وأسهم بينهم فخرج السهم لعبد الله, فأراد ذبحه فمنعه أخواله من بني مخزوم وقالوا له: أَرضِ ربك وافدِ ابنك، ففداه بمائة ناقة فهو الذبيح، وإسماعيل الثاني انتهى مع زيادة.

وقال في المواهب وشرحها للزرقاني: وعند الحاكم في المستدرك وابن جرير وابن مردويه والثعلبي في تفاسيرهم عن معاوية بن أبي سفيان قال: كنا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأتاه أعرابي فقال: يا رسول الله, خلفت البلاد يابسة والماء يابسًا وفي نسخة: الكلأ يابسًا وخلفت المال عابسًا, هلك المال وضاع العيال فعد علي مما أفاء الله عليك يا ابن الذبيحين, فتبسم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم ينكر عليه، والحديث حسن بل صححه الحاكم والذهبي لتقوِّيه بتعدد طرقه انتهى.

وأقول: فحينئذٍ لا ينافيه ما نقله الحلبي في سيرته عن السيوطي أن هذا الحديث غريب، وفي إسناده من لا يعرف انتهى، وفيه دليل على أن الذبيح إسماعيل وهو الصحيح، وفي الهدي لابن القيم: إسماعيل هو الذبيح على القول الصواب عند علماء الصحابة والتابعين ومن بعدهم, وأما القول بأنه إسحاق فمردود بأكثر من عشرين وجهًا, ونقل عن الإمام ابن تيمية أن هذا القول متلقًّى من أهل الكتاب مع أنه باطل في كتابهم, فإن فيه: إن الله أمر إبراهيم أن يذبح ابنه بكره, وفي لفظ: وحيده، وقد حرفوا ذلك في التوراة التي بأيديهم "اذبح ابنك إسحاق".

ولبعضهم وقد أجاد:

إن الذبيح هديت إسماعيل ... نطق الكتاب بذاك والتنزيل

شرف به خص الإله نبينا ... وأبانه التفسير والتأويل

٦٠٧- أنا أعرفكم بالله, وأخوفكم منه.

قال في المقاصد: قال شيخنا: صحيح، وقد ترجم البخاري في صحيحه بقوله صلى الله عليه وسلم: أنا أعلمكم بالله.

<<  <  ج: ص:  >  >>