وغيره: من رواه "حبب إلي من دنياكم ثلاث" فقد وهم، ولم يقل -عليه السلام- ثلاث؛ إذ الصلاة ليست من أمور الدنيا التي تضاف إليها, بل هي عبادة محضة، نعم يصح أن تضاف إليها لكونها ظرفًا لوقوعها فيها.
وكذا قال الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الرافعي تبعًا لأصله، والولي ابن العراقي في أماليه: إن لفظ "ثلاث" لم يقع في شيء من طرقه، بل هي مفسدة للمعنى, انتهى ملخصًا.
وأقول: في قولهم: "بل هي مفسدة للمعنى" كقول الزركشي: "زيادة ثلاث محيلة للمعنى ... إلخ" نظر وإن أقروه، بل المحيل زيادة: "من دنياكم ثلاث" لا لفظ "ثلاث" فقط فتأمل.
وقال الجلال السيوطي في تخريج أحاديث الشفاء: أخرجه النسائي والحاكم عن أنس بدون "ثلاث" , لكن عند أحمد عن عائشة: كان يعجب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الدنيا ثلاثة أشياء: النساء والطيب والطعام، فأصاب اثنتين ولم يصب واحدة، أصاب النساء والطيب، ولم يصب الطعام. إسناده صحيح إلا أن فيه رجلًا لم يُسَمَّ، انتهى.
وأقول: يؤخذ منه أن الثالثة هي الطعام، على فرض ثبوت "ثلاث" فتأمل.
وقال القاري: وأما صحته من جهة المعنى فلوقوعه قرة عينه في الدنيا جعل كأنه منها، ويؤيد ما جاء في رواية الطيب والنساء وقرة عيني في الصلاة، انتهى.
وروى الديلمي عن أنس مرفوعا: "الجائع يشبع، والظمآن يروى، وأنا لا أشبع من حب الصلاة والنساء". والمراد بالصلاة العبادة المخصوصة فرضًا كانت أو نفلًا، وتردد القاري فقال: وهل المراد بالصلاة العبادة الموضوعة لسائر الأنام، أو الصلاة عليه -عليه الصلاة والسلام-, فيعني أنه حبب إليه -صلى الله عليه وسلم- الصلاة عليه من أمته؟.
تنبيه: قال في المواهب: وهاهنا لطيفة، وروى أنه -عليه الصلاة والسلام- لما قال: "حبب إلي من دنياكم النساء, والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة" قال أبو بكر: وأنا يا رسول الله, حبب إلي من الدنيا النظر إلى وجهك، وجمع المال للإنفاق عليك، والتوسل بقرابتك إليك. وقال عمر: وأنا يا رسول لله، حبب إلي من الدنيا الأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر، والقيام بأمر الله. وقال عثمان: وأنا يا رسول الله, حبب إلي من الدنيا