أنهما ماتا قبل البعثة ولا تعذيب قبلها لقوله تعالى:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} ١ وقد أطبقت الأشاعرة من أهل الكلام والأصول، والشافعية من الفقهاء على أن من مات ولم تبلغه الدعوة يموت ناجيًا، وأنه لا يقاتل حتى يُدعى إلى الإسلام، وأنه إذا قتل يضمن بالدية والكفارة كما نص عليه الشافعي وسائر الأصحاب، بل قال بعضهم: إنه يجب في قتله القصاص، لكن الصحيح خلافه؛ لأنه ليس بمسلم حقيقي، وشرط القصاص المكافأة.
المسلك الثاني:
أنهما لم يثبت عنهما شرك بل كانا على الحنيفية دين جدهما إبراهيم -عليه السلام- كما كان على ذلك طائفة من العرب كزيد بن عمرو بن نفيل وورقة بن نوفل، وذهب إلى هذا المسلك طائفة منهم الإمام الرازي, بل قالوا: إن سائر آبائه -صلى الله عليه وسلم- لهم هذا الحكم, فليس فيهم كافر, وأما آذر فليس بوالد إبراهيم بل عمه على الصحيح.
المسلك الثالث:
أن الله أحيا له أبويه -صلى الله عليه وسلم- حتى آمنا به, وهذا المسلك مال إليه طائفة كثيرة من حفاظ المحدثين وغيرهم منهم ابن شاهين والحافظ أبو بكر البغدادي والسهيلي والقرطبي والمحب الطبري وغيرهم، واستدلوا لذلك بما أخرجه ابن شاهين والخطيب البغدادي والدارقطني وابن عساكر بسند ضعيف عن عائشة قالت: حج بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حجة الوداع، فمر بي على عقبة الحجون وهو باكٍ حزين مغتم، فنزل فمكث عني طويلًا، ثم عاد إلي وهو فرح متبسم، قلت له فقال: ذهبت لقبر أمي فسألت الله أن يحييها فأحياها, فآمنت بي وردها الله، وهذا الحديث ضعيف باتفاق الحفاظ، بل قيل: إنه موضوع، لكن الصواب ضعفه وأورده السهيلي في روضه بسند فيه مجهولون عن عائشة بلفظ: أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- سأل ربه أن يحيي أبويه, فأحياهما له ثم آمنا به ثم أماتهما.
قال السهيلي بعد إيراده: والله قادر على كل شيء وليس تعجز رحمته وقدرته عن شيء, ونبيه -صلى الله عليه وسلم- أهل أن يختص بما شاء من فضله, وينعم عليه بما شاء من كرامته.
وقال القرطبي: لا تعارض بين حديث الإحياء وحديث النهي عن الاستغفار، فإن إحياءهما متأخر عن الاستغفار لهما بدليل حديث عائشة أن ذلك كان في حجة الوداع، ولذلك جعله ابن شاهين ناسخًا لما ذكر من الأخبار.