للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يشف في عزو الحديث, لكنه أشعر بأن له أصلًا عنده، ثم قال الخطابي: والاختلاف في الدين ثلاثة أقسام:

الأول:

في إثبات الصانع ووحدانيته, وإنكاره كفر.

والثاني:

في صفاته ومشيئته, وإنكارهما بدعة.

والثالث:

في أحكام الفروع المحتملة وجوهًا، فهذا جعله الله رحمة وكرامة للعلماء، وهو المراد بحديث: اختلاف أمتي رحمة, انتهى. وأقول: وهذا بلفظ الترجمة.

وقال النووي في شرح مسلم: ولا يلزم من كون الشيء رحمة أن يكون ضده عذابًا، ولا يلتزم هذا ويذكره إلا جاهل أو متجاهل، وقد قال الله تعالى: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ} ١* فسمى الليل رحمة, ولا يلزم من ذلك أن يكون النهار عذابًا, انتهى.

ومثله يقال فيما رواه ابن أبي عاصم في السنة عن أنس مرفوعًا: "لا تجتمع أمتي على ضلالة". ورواه الترمذي عن ابن عمر بلفظ: "لا يجمع الله أمتي على ضلالة, ويد الله مع الجماعة".

ورواه أحمد والطبراني في الكبير عن أبي نصر الغفاري في حديث رفعه سألت ربي أن لا تجتمع أمتي على ضلالة فقد قيل: مفهومه أن اختلاف هذه ليس رحمة ونعمة لكن فيه ما تقدم نظيره عن النووي وغيره.

وفي الموضوعات للقاري أن السيوطي قال: أخرجه نصر المقدسي في الحجة، والبيهقي في الرسالة الأشعرية بغير سند, ورواه الحليمي والقاضي حسين وإمام الحرمين وغيرهم ولعله خرج في بعض كتب الحفاظ التي لم تصل إلينا، ثم قال السيوطي عقب ذكره لكلام عمر بن عبد العزيز: وهذا يدل على أن المراد اختلافهم في الأحكام الفرعية وقيل في الحرف والصنائع: والأصح الأول، فقد أخرج الخطيب في رواة مالك عن إسماعيل بن أبي المجالد قال: قال هارون الرشيد لمالك بن أنس: يا أبا عبد الله تكتب هذه الكتب -يعني مؤلفات الإمام مالك- وتفرقها في أفاق الإسلام لتحمل عليها الأمة. قال: يا أمير المؤمنين, إن اختلاف العلماء رحمة من الله تعالى على هذه الأمة كل يتبع ما يصح عنده, وكل على هدى وكل يريد الله تعالى.

وفي مسند الفردوس عن ابن عباس مرفوعًا: اختلاف أصحابي لكم رحمة.


١ القصص: "٧٣".
* سقطت "النهار" من النسخ التي بين أيدينا.

<<  <  ج: ص:  >  >>