ولئن كانت مراتب الشخصيات التاريخية الفذة تحدَّدُ -ضمن ما تحدد- بالبصمة التي طَبَعَتْها في تاريخ البشرية، وبالآثار التي تركتها في الدنيا، فإن ابن عبد الوهاب بهذا المقياس يتقدم على كثيرين ممن أُعْطُوا هذه المنزلة.
قال الشيخ عثمان بن بشر النجدي -رحمه الله تعالى- في ترجمته للشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى-:
(وأما محمد فهو شيخ الإسلام والحبر الهمام، الذي عمت بركة علمه الأنام، فنصر السنة، وعظمت به من الله المنة، بعدما كان الإسلام غريبًا، فقام بهذا الدين، ولم يكن في البلاد إلا اسمه، وانتشر في الآفاق، فكل امرئ أخذ منه حظه وقسمته.
ونشرت راية الجهاد بعد أن كانت فتنًا وقتالًا، وعرف التوحيدَ الصغيرُ والكبيرُ بعد أن كان لا يعرفه إلا الخواص، واجتمع الناس على الصلوات والدروس والسؤال عن أصل الإسلام وشروط الصلاة وأركانها وواجباتها ومعاني قراءتها، وتعلمها الصغير والكبير، والقارئ والأمي بعد أن كان لا يعرفه إلا الخصائص، وانتفع بعلمه أهل الآفاق، لأنهم يسألون عما يأمر به وينهى عنه فيقال لهم: يأمر بأمر التوحيد، وينهى عن المنكر. ويقال لهم: إن أهل نجد يمقتونكم بذلك فانتهى أناس كثير من أهل الآفاق بسبب ما سمعوا من أوامره ونواهيه، وهَدَمَ المسلمون ببركة علمه جميع القباب والمشاهد التي بنيت على القبور وغيرها من جميع المواضع الشركية في أقاصي الأقطار من الحرمين واليمن وتهامة وعمان والإحساء ونجد وغير ذلك، حتى لا تجد في جميع من شملته ولاية