(لقد خرجت مصر كلها، لرؤية الأبطال الوهابيين، والأمراء السعوديين الأسرى، وتحول بيتهم في السيدة عائشة قرب القلعة، إلى مزار، يتدفق عليه المصريون يطلبون بركتهم للشفاء من الأمراض! فقد روى ابن بشر: أنه بعد استسلام فيصل بن تركي، رحلوه إلى القاهرة "فوصلوا إلى المدينة ومنها إلى مصر، وأنزلوه في بيت، وجعلوا عنده حرسًا يحفظونه، وصار في مكانه ذلك يحيي أغلب الليل بالتهجد والصلاة وفي نهاره بين صلاة وتلاوة القرآن. وكان يتردد إليه كثير من أهل مصر إذا كان في أحد منهم ألم أو حمى أو غير ذلك، يأتونه يقرأ عليهم، وكانوا يرون أثر الشفاء من قراءته ودعائمه، ومن أجل ذلك ازداد عندهم تكريمًا وتعظيمًا. ذكر لي أنه لما خرج من ممر في هذه المرة، أنهم يترددون إلى مكانه (حيث كان يعيش) ويزورونه، ويستشفون به".
صحيح أن التبرك بالجدران التي كان يسكنها يتعارض مع الإسلام، ولكن ما يعنينا هنا، هو مغزى هذا السلوك، فعامة البلد يؤمنون ببركة .. وصحة دين، بل وقدسية أو وَلاية خصوم واليهم، الذي يدعي محاربتهم لأنهم خوارج، هذا الاعتقاد العلني بصلاحهم وتقواهم، وقربهم إلى الله تعالى؛ هو صرخة رفض يطلقها الشعب المصري -على طريقته- في وجه حاكم مصر، وضد كل دعاياته،
(١) هذا الفصل مختصر من "السعوديون والحل الإسلامي" ص (١٨٥ - ١٨٩) بتصرف.